العزاء بين المشروع والمبتدع
لا أحد يشك ان أعظم المصائب مصيبة الموت، تصيب العبد في ابنه او زوجته أو اخيه، ويحزن للموت وهو مشروع، لانه ولاشك بشر، فهذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – يبكي لموت ابنه ابراهيم فيقول له صاحبه عبدالرحمن بن عوف: وأنت يارسول الله؟.. وكأنه متعجباً مما فعل..؟
فيقول عليه الصلاة والسلام: (إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول الا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون)، وكان لنا فيه – صلى الله عليه وسلم – قدوة حسنة، والانسان تعرض له حوادث الحياة وفيها ما يسوؤه، ولكن المؤمن يصبر وهو يعلم ان الله عز وجل يثيبه على صبره، روى الامام احمد في سنده من حديث معاوية بن قرة عن ابيه رضي الله عنه: ان رجلاً كان يأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – ومعه ابن له،
فقال النبي – صلى الله عليه وسلم: أتحبه فقال: يا رسول الله احبك الله احبه، ففقده النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ما فعل ابن فلان قالوا: يا رسول الله مات، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – لابيه: اما تحب ان لا تأتي باباً من أبواب الجنة الا وجدته ينتظرك، فقال رجل: يارسول الله انه خاصة أم لكلنا قال: بل لكلكم”،
وللصبر عند فقد الاحبة اجره عند الله عظيم، ألم يقل ربنا عز وجل: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم”
فالصبر مرتبة عظيمة لا يقدرها الا خلص المؤمنين، وحينما يصاب العبد بفراق من أحب فانا ندعو له بالصبر ونعزيه ولا نذكر ما يسوءه ونحن في زمان قد تتحجر فيه القلوب، فلا يتذكر اهلها لمن اصيب في حبيب مات له، الا الفرحة انتقاماً منه، ويزعم له من المعايب ما يجعله فرحا بمصابه،
ثم يدعي هذا المتحجر قلبه انه انما ينتصر للدين، وهيهات ان ينصر الدين بما حرم الله، ولكنا في زمن الجهل فيه ينتشر حتى بين من زعموا انهم ينتسبون لعلم الشرع، وهيهات ان يكونوا من اهله، وهذا الذي لا يتحين لنصيحته الا عند فراق الاحبة، فتراه عند المقابر يعظ بل
ويتطاول على من ودعوا احبتهم بانهم ابتدعوا ان قرأوا قرآنا لميتهم او دعوا له، ثم لا يكتفي بذلك حتى يجوس خلال المدن والقرى فان وجد عزاء يقام، قام في اهله خطيباً يبدعهم لاجتماعهم للعزاء، وكان له ان ينصح ويعظ في مواضع الوعظ لو كان صادقاً، ولكنه يتعمد ان يوجع من اصيب بفقد الاحبة،
فتلك غايته والعياذ بالله، فالنصح عن ما يراه عند الناس في مثل هذا له الموضع في المسجد والدرس ولكن لا يكون في مواضع يجتمع فيها للعزاء، وقد رأينا كثيراً من هذه الافعال تفسد النصيحة وتجعلها قبيحة في نظر من يستمعون اليها، لانه اختير لها الوقت غير المناسب،
والنصيحة لا تكون فضيحة ابداً، الا ان صدرت من جاهل لا يعلم احكام هذا الدين حقيقة، ونصيحتنا لهؤلاء المتطفلة ان يكفوا عن فعلهم القبيح الموجع علّ الله عز وجل يرحمهم، فالاصلاح لا يكون بمثل الصور التي توقع في كثير من الاحيان عداوة وبغضاء بينهم وبين الناس،
ومن يريد الخير الناس بتعريفهم احكام الشرع فهو من يكون بهم ألوفاً رحيماً يتحين الفرص الملائمة لوعظهم، لا من يختار أسوأ الاوقات، بل ويحول نصيحته لهم الى هجاء لهم وذم، ولعلهم يستمعون الينا فينفعوا انفسهم أولاً قبل الناس فهو ما نرجو والله ولي التوفيق.
ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
[email protected]
التصنيف: