الظلـم
صالح المعيض
بداية يقصد بالظلم هنا التعدي على حقوق الآخرين بامتهان كرامتهم وأكل أموالهم أو أخذها ظلما أو التعدي عليهم بأي صفة كانت والتعالي والاستطالة على الضعفاء منهم . قال تعالى (ولا تحسبنّ اللهُ غافلا عمّا يعمل الظالمون إنمّا يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) الآية 42 سورة إبراهيم إلى آخر الآيات الكريمات .. والآيات في هذا المقام أكثر من أن تحصى والأحاديث الشريفة كذلك جاءت محذرة الأمة بصفة عامة والأشخاص بصفة خاصة وقد قال صلى الله عليه وسلم (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ولعل الحديث القدسي ( ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) يوضح بكل جلاء جريمة الظلم ومآثره السيئة على التعامل بين الناس قال الشاعر :
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
والظلم قد يكون داخل الأسرة موجودا وكذلك في المجتمع ملموسا وكلما كبر محيط التجمع البشري كلما أمتدت مساحة الظلم ، وكلما أتسعت مساحة الظلم انتشرت معها البغضاء والحقد والكراهية وتولد معها الشقاء والهوان وحب الانتقام ، لذلك كان السلف يقول : لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء ، ولست هنا في مقام سرد ماورد في التحذير من الوقوع في آفة الظلم ولكنني هنا أتساءل بكل ألم ومرارة عن ماهي دوافع الظلم في هذا الزمان خصوصا إذا كان الظلم يصدر ممن هم ليسوا في حاجة إلى أن يكونوا مصادر للظلم والتعدي على حقوق الآخرين في عصر أصبحت فيه أدوات التأكد من الحق واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار؟ والباطل تكاد ناره تلامس أجساد كل من نازعته نفسه الشريرة إلى أن يجد في الظلم بغيته ومآربه وينسى يوما لا ينفع فيه مال ولا بنون ، فالظالم يعتبر في أي مجتمع عضو غير فعال بل نارا تنهش في جسد ذلك المجتمع حتى أن الله سبحانه وتعالى حذرنا من الركون إلى الظالم فقال تعالى (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) آيه 113 سورة هود ، لقد سرد لنا التاريخ آلاف القصص عن الظالمين وما آلت إليه مصائرهم ممن استغلوا مناصبهم أو سطوة رؤسائهم ، لقد رحلوا بسير غابرة ونهايات مخزية وعواقب وخيمة ، فهل ادرك الكل مايجنيه الظالم أنه دمار أبدي وإن سعد به لحظات يسيرة في حياته الفانية ، فلنتوادد ولنتحابب ونتصافى القلوب ، فاليوم عمل وغدا حساب ، لتكون تجلياتنا تنشد مجتمعا سليما معافى ، مجتمع يملؤه الحب والتآلف ، وترفرف في سمائه كل الحمائم التي تدعو للطمأنينة ، وأن يحب المسلم لأخيه المسلم مايحب لنفسه.
فالمسؤول أياً كان منصبه والثري مهما كانت ثروته ، ورب الأسرة مهما كانت سطوته، وكل من مكن له الله في مجتمعه مكانة ، عليه أن يسترعي الأمانة ، ويحسن المعاملة ويخاف الله سرا وجهرا ، وأن يكون مساعدا للخير محبا للجميع مساهما في رفعة مجتمعه ، لنكن فعلا كالجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ، فهكذا أراد لنا الإسلام ، وعلى تلك الثوابت الراسخة والتعاليم السمحة نشأنا ، وعلى هذا الثرى المبارك كنا ولازلنا نمثل ولله الحمد (خير أمة أخرجت للناس) وكما أرادها وثبت دعائمها المغفور له بإذن ربه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله ، وحينما أعلنها صريحة مدوية مع قيام هذه الدولة الفتية (من كان له مظلمة فيتقدم لنا لكي نرفع عنه الظلم) وهكذا واصل أبناؤه البررة من بعده على ذلك ، فكان هذا المجتمع الطيب الذي نفتخر بالإنتساب إليه ، وكان هذا الأمن والأمان الذي ولله الحمد له ثوابته وقيمه ، وخير من حافظ عليها وسيبقى كذلك إلى يوم الدين.
لعل خير ما اختم به هذه المقالة مقتطفات من كلمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله جاء فيها :” الحمد لله دستورنا كتاب الله وسنة رسوله وما جاء به الخلفاء الراشدون، والحمد لله نحن في أمن واستقرار، يجينا الواحدُ من المواطنين يقول يا فلان بالاسم مثل ما قال لوالدنا وليس لقبه، ومع هذا كله جزاكم الله خير كرسميين وكأهالي، ونقول رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي إذا شفتوا شيئاً يضر المواطنَ أو بأفراد أو بقبيلة أو ببلدة أو بأي شيء كان، أبوابنا مفتوحة تلفوناتنا مفتوحة، وأذاننا مفتوحةٍ لكم والله يحييكم ومجالسنا مفتوحة لكم والله يحييكم”.هذا وبالله التوفيق..
جدة ـ ص ب ـ 8894 تويتر : saleh1958
التصنيف: