السيدات قادمات
عزيزي القارئ .. يجب ان لا ننظر الى ما يجري على ارض بلادي انه استرجاع لحقوق المرأة المسلوبة وذلك بالسماح لها بقيادة السيارات والمركبات .. ويجب ان لا نعتبرها مناسبة سعيدة ونختزلها بتوزيع الورود واخذ الصور التذكارية ونشرها علي صفحات الميديا والصحف والمجلات ..ويجب ان لا نتعامل مع هذا الحدث على انه امر يستوجب مقولة .. رفقا بالقوارير .. انني ازعم بقوة ان هذا الحدث ياخذ بعدا اجتماعيا شديد التأثير على كثير من قيم وأعراف وثقافة المجتمع ..بل سيؤثر على تركيبة المفهوم الجمعي للمجتمع .. وسيترك ظلاله الايجابية على جوانب متعددة اقتصادية وسلوكية وفكرية وثقافية ونفسية ..الخ.
صحيح ان الاعداد المتوقعة من السيدات اللائي سيقدن سياراتهن سيكون في حدود 128 الف – وفق احصائية قرأتها – الا انني ارى ان هذا الرقم سيقفز سريعا ويتجاوز المليون في خلال سنة على اقصى تقدير وذلك نتيجة الضغوط التي ستمارس على الاسر العائلية من فئة الفتيات اللائي سيضطررن للخروج للدراسة والعمل والاهتمام بشؤون الاسرة ..الخ.
يا سادة ..هذا القرار ..سيؤثر على مراكز القوة في المجتمع بين الرجال والنساء ..وبين افراد العائلة الواحدة .. وبين الزوج والزوجة .. والابناء الذكور والاناث .. وستتقلص او تتآكل معه السلطة الذكورية.. وستتغير الادوار والمسؤليات ..وسيتغير الهيكل التنظيمي للعائلة ..وستتغير بالضرورة تركيبة سوق العمل من الموظفين للجنسين ..
وحتما ستبرز مشاكل اجتماعية جديدة ومختلفة علي المجتمع مثل الصراعات والتناقضات داخل الاسرة الواحدة في السماح للمرأة او الفتاه بقيادة السيارة من عدمه والكيفية ووقت الخروج والدخول من والى المنزل .. وسؤالي هو كيف ستحسم الاجهزة التشريعية والتنظيمية والرقابية والضبطية مثل هذه الخلافات الاسرية.
كل ذلك سيتطلب اداءا وسلوكا وفكرا وثقافة وقيم واعراف جديدة ومختلفة.
عزيزي القارئ .. بعد استعراض كل ماسبق ..فالسؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذا التحول الذي نحن بصدده يشكل معضلة كبيرة؟ ! الاجابة علن هذا السؤال هو .. لا والف لا .. لانني ارى أن المعضلة تكمن في الطريقة التي سنتعامل بها مع التغيير ..وطريقة تفكيرنا لمواجهة التحديات الناجمة عن هذا التحول النابع من تعليمنا وثقافتنا والقيم والاعراف التي نحتكم اليها ..انه القرار المبني على العلم والثقافة والارادة والجرأة والشجاعة والاقدام.
كل ذلك يتطلب طرقا واساليب ومناهج تعليمية مختلفة فالقرارات والنوايا والموارد المالية والبنية الهيكلية والاسمنتية لا تغير شيئا في المجتمعات ولا تتحول الى قوة دافعة للتغيير .. بل هو ..التعليم الذي يحاكي ويلبي متطلبات الحياة والمجتمع .. التعليم يجعلنا نفكر واننا احرارا وسواسية بصرف النظر عن اللون والجنس والسن .. وانه لا فروق بيننا وان التغيير حتمي ..واننا جميعا نستطيع ان نغير العالم.
ومن هنا اسمحوا لي ان ادعو الاجهزة التعليمية والقائمين عليها في المدارس والمعاهد والجامعات .. ادعوهم لاعادة صياغة مناهج التعليم بما يتواءم والعلاقات المتجددة بين الذكور والاناث ورؤية المجتمع وطريقة تفكيره في التعامل مع المرأة.
انني هنا لا اطالب بتغيير الخطاب الذكوري فقط ..بل اطالب بتغيير الفكر والثقافة الذكورية.. ولن يتأتي ذلك الا من خلال التعليم ..والتعليم فقط .. وبدعم ومؤازرة من خلال منابر الرأي والفكر الاعلامية التقليدية والحديثة.
سيداتي سادتي .. ان المجتمعات تتغير وتتحول بالعلم.
التصنيف: