(السجادة الحمراء .. لمن؟)

زين امين

قبل أيام قابلت صديقا عزيزا .. وكان يعمل في وظيفة تنفيذية مرموقة في الخطوط السعودية .. وبعد أربعين عاما من العمل فيها اجتاز بتفوق شهادة تخرجه من السعودية بدرجة متقاعد .. مع مرتبة الرضا الأولي .. قابلته وتعلو وجهه مسحة حزن عميقة وصلت إلى أحشاء قلبه .؟ وسألته عن أحواله فقال لي بعد تنهيدة عميقة وطويلة .. الحمد لله .. فقلت له ماذا بك؟ ! خيرا.

فسألني هل للوفاء بين الناس والأهل والأصدقاء والأحباب ..له ثمن؟ ! وهل للوفاء تاريخ صلاحية؟ ! . فقلت له ولما هذه الأسئلة؟ ! .

فحكي لي انه عندما كان في الوظيفة كان له جاه وحظوة عند كل من يعرفه من زملائه في العمل موظفين ورؤساء .. وكان كلما طلب شيئا كان مستجابا حتي لوكان ( لبن العصفور) .

واسترسل ..قبل أيام طلبت من احد زملائي ..وكان مرؤوسا لي ..وهو لا زال على رأس العمل الآن .. خدمة إنسانية وبحكم قربي منه أدرك انه قادر علي تلبيتها .. وللأسف بعد مماطلة وتسويف ارسل لي رسالة قصيرة معتذرا عن تلبيتها .. وهنا أصبت بصدمة عنيفة لم استطيع أن أنام لعدة ليالي .. ليس لعدم تلبية طلبي .. وإنما لعدم تقدير زميلي للجانب الإنساني للمشكلة وهو قادر علي حلها ..

واختتم حديثه بالسؤال الوارد في بداية القصة ..هل للوفاء ثمن .. وهل له تاريخ صلاحية ..؟؟
وارتأيت أن اطرح السؤال على أصدقائي في الفيس بوك كي يجيبوني ويجيبوه على تساؤله! !
واسمحوا لي أن اشكر أصدقائي إجابتهم علي السؤال بشكل قاطع ونهائي انه ..لا ثمن للوفاء ولا تاريخ صلاحية له !! .

ونظرا لضيق الوقت والمساحة ..سأختار إجابتين رأيت فيهما إضافة عميقة للنفس الإنسانية والحياتية؟ !
الأولي كانت للأديب والرواي المبدع الأستاذ عمر حسين سراج ..حيث قال بالحرف ..

تجبرني يا أستاذي العزيز علي تصورك مع كل تقديري واحترامي ..كراعي البقر عندما يدلف إلى الحانة ويقلب الموائد فوق رؤوس الرواد ..وانت تفعل هكذا مع غفلتنا وأفكارنا النائمة بسلام ..فلقد نمنا لقرون طويلة ولا زال هناك متسع من الوقت لاستمرار النوم اللذيذ ..ما اعتقده والكلام للاستاذ عمر سراج ..ان لكل شئ صغر ام كبر ثمن ..ولكن التساؤل الذي أود إضافته هو ماذا نبيع وماذا ندفع كثمن؟ ! هذا هو الفرق والان يا استاذي سأعاود النوم ..!!

رايت في مداخلة الاستاذ عمر سراج عمقا وفلسفة فكرية جديرة بالنقاش والحوار.

اما المداخلة الاخري فكانت من ابني االفنان المبدع زياد زين امين .. حيث بعث لي بمقطع فيديو فيه جانب اخر من الاجابة .. يقول المقطع ..

المتحدث كان وكيل وزارة دفاع سابق بعد تركه الوظيفة ..يلقي محاضرة في حشد كبير يقدر عدده بالف شخص واثناء الحديث كان امامه كوب قهوة ورقي اخذ رشفة منه ثم ابتسم ..وغير مجرى المحاضرة ثم ارتجل قائلا .. العام الماضي وفي نفس المكان والزمان كنت لازلت اشغل وظيفتي ..دعيت الي القاء محاضرة ومن دعاني رتب لي مقعدا بالطائرة علي درجة رجال الاعمال ..

وكانت سيارة ليموزين فخمة في انتظاري خارج المطار وهناك في الفندق وجدت من يستقبلني ويعطيني مفتاح غرفتي دون تسجيل. وفي صباح اليوم التالي وجدت من ينتظرني في بهو الفندق واخذني إلى غرفة المختصر قبل ان ادخل القاعة وقدموا لي ارقى انواع القهوة في كوب فاخر ..

اما في هذه الرحلة دعتني نفس الجهة والأشخاص .. فكانت تذكرتي علي الدرجة السياحية ولم اجد من يستقبلني في المطار ..فاستأجرت سيارة تاكسي عادية وقدمت الي الفندق وكان علي الانتظار نصف ساعة في طابور الاستقبال لاخذ مفتاح غرفتي ..وفي اليوم التالي عندما دخلت الي القاعة طلبت قهوة ..ووجدت احدهم يشير الي ان القهوة هناك في الماكينة ..وذهبت واحتسيت قهوتي في هذه الكاس الورقية ..

وقال .. الدرس الذي تعلمته وادركته ان كوب القهوة الفاخر كان ليس لي .. وانما كان للوظيفة التي كنت اشغلها ..اما انا فاستحق هذا الكوب الورقي .. !! واسمحوا لي ان اقول لكم انكم كلكم وانا معكم نستحق فقط كأسا ورقيا لشرب القهوة .. كل ماقدم لنا ونحن في وظائفنا العليا .. من ترحاب واستقبال وسجاجيد حمراء وتلبية طلبات ..وحتى القهوة كانت تقدم بعدة انواع ونكهات لنختار منها .. لم تكن تقدم لنا شخصيا .. وانما لوظائفنا. ؟!! .

وبعد .. اقول لنفسي ولزميلي التنفيذي لا تبتئس ..كل السجاجيد الحمراء والزرقاء ..والابتسامات كانت ليست حبا فيك ..ولا وفاء لك .. بل كانت لوظيفتك وكل ذلك انتقل إلى من حل مكانك ..أما أنت فمن حقك فقط تلك الأكواب والكاسات الهزيلة . وربما بسكويت الهوي أن وجد.
وستكتشف أن بعض من كان حولك ناس من ورق ..

إن العالم يتغير ..
والناس تتغير ……

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *