الدبلوماسية الوقائية..النموذج الخليجي

• أ. د.بكر محمد العمري

بداية فإن من مهام المحلل السياسي الموضوعي عند التعرض لأي أزمة بالتعليق أو التحليل ضرورة الرجوع إلى الدلائل وما تشهده الساحة السياسية من أحداث وممارسات تخدم ما يسعى اليه.
لذلك أرى أن الأمانة الأخلاقية للمحلل السياسي تفرض عليه أن يكون صادقاً في تحليله عن الحقيقة بعيدا عن المهاترات الاعلامية وخدمة أغراض خاصة تستهدف البلبلة وطمس الحقائق.
لذلك فإن الالتزام بهذا الأسلوب المهم يحتاج إلى فطنة ورغبة حقيقية مجردة عن الهوى لخدمة الصالح العربي بما في ذلك الصالح الخليجي والتي يمكن ادراكها بالفعل والمنطق بما يتفق مع القيم التي تحكم علاقاتنا كأبناء منطقة واحدة..هي الخليج الواحد.
هناك احساس عام داخل النطاق الخليجي العربي وخارجه أن الدول الخليجية بدبلوماسيتها الوقائية في عيون الآخرين تحتل الدرجة الرفيعة من احترام وتقدير وفهم يعكس مدى مصداقية دول الخليج في ادارة الأزمات الحالية بل والمستقبلية.
لست بحاجة إلى القول أن التحركات والاتصالات والمشاورات التي تجريها الدول الخليجية في الساحتين الاقليمية والدولية على مدى الأسابيع الأخيرة فقد انبرت الدبلوماسية الخليجية في أعلى مستوياتها لتأكيد مكانة دول مجلس التعاون الخليجي الدولية والدفاع عن دورها كقوة اقليمية لها وزنها في ضبط ايقاع الحركة السياسية في المنطقة الاقليمية حرصا على سيادتها واستقلالها.
وفي اطار هذا التحرك الخليجي أرى أنه يعكس مفهوم أن السياسة فن الممكن، ولذلك سلكت دول الخليج هذا الطريق فرأت أن الأصل في الإدارة الناجحة للأزمات هي منع انفجار الموقف وتفادي التفكك بأي شكل .. وربما يكون الوقوف على حافة الهاوية ولكن عدم السقوط فيها.
ومعنى ذلك أن ادارة الأزمات والطوارئ أصبحت في أمس الحاجة إلى استخدام الدبلوماسية الوقائية التي تم استخدامها في قاموس العلاقات الدولية وتمت ممارستها على أرض الواقع الدولي في منتصف التسعينات .. بل والآن لمحاولة تخفيف التوتر في مواقع دولية عديدة قبل أن يؤدي إلى نشوب وتفاقم الصراعات.
والحقيقة أننا أمام اعتراف دولي بالنموذج الخليجي لممارسة الدبلوماسية الوقائية لدرء المخاطر والأزمات التي عكستها خطوات واجراءات ادارة الازمات في المنطقة الاقليمية مثل الأزمة السورية والعراقية واليمنية من قبل القيادات الحكيمة الموحدة لا يمكن أن توصف إلا بأنها اعتراف لدرجة رفيعة بالقدرة الخليجية في إدارة الأزمات.
وفي اعتقادي أن أهم هذه الدروس المستفادة من هذا الاعتراف الدولي بالدور الخليجي و ضرورة تأكيد دور الدول الخليجية الاقليمي والحضاري والاقتصادي التي نظرت إلى علم ادارة الازمات بأنها علم وفن، علم بمعنى أنها مزيج له أصوله وقواعده التي بدأت تتبلور، وفن بمعنى أن ممارستها أصبحت تعتمد على اتقان من المهارات والقدرات فضلا عن الابتكار والابداع.
ولست أريد أن أعدد نماذج تعكس فن ادارة الأزمات في السياسة الخارجية الخليجية والتي جاءت انعكاساً لتصور القرار الخليجي للعمل التعاوني والاقليمي والدولي وبراعة الادوات الخليجية المنفذة لهذه الدبلوماسية الوقائية لإدارة الأزمات.
هكذا أصبحت إدارة الأزمات اسلوباً متميزاً في إدارة العلاقات الخليجية الدولية والإقليمية لها استراتيجية محدودة تقوم على مجموعة من الأصول والمبادئ والمهام، كما أنها أضحت كذلك فناً رفيعاً يمارسه قادة مجلس التعاون الخليجي بمزيد من المهارة والبراعة.
وربما يعزز من صحة الرهان الخليجي على جدوى هذه التحركات الخليجية أنها تسلك منهجاً محدداً وواضحاً لمواجهة تحديات الإرهاب عن طريق تنسيق المواقف وتجديد الاصرار على التمسك بالثوابت التي ارتضتها الإنسانية الدولية كركائز للمساهمة الخليجية في الجهود الدولية لمحاربة الارهاب، إيماناً من الدول الخليجية بأنه في علم السياسة ليس هناك مكان لكلمات المفاجأة والمصادقة لأن السياسة في البداية والنهاية لا بد أن تخضع لأدق قواعد الحساب لمنهج الدبلوماسية الوقائية.
وهكذا فإن القادة الخليجيين في اطار مجلس التعاون الخليجي ادراكاً للمخاطر والتحديات التي تواجه المنطقة الاقليمية تستبق الاحداث والتطورات وتفصح عن قدرتها وامكاناتها بالتعاون مع دول العالم على مواجهة أخطار الارهاب بحيث يمكن تحقيق الأمن والسلام وتحرره من المجموعات الإرهابية.
واليوم وعندما يدقق المرء في خطوات الأسلوب الخليجي لإدارة الأزمات التي تدور من حول دول المجلس الخليجي ومهما كانت درجة انعكاسها على الداخل الخليجي يشعر الإنسان الخليجي بأن الأداء الخليجي في ادارة الأزمات هو بالفعل فن ادارة الأزمات وفن عدم الاعتراف بالمستحيل وذلك من خلال توجه استراتيجي في اطار فن ادارة الأزمات مما أدى إلى الاعتراف الدولي بالأسلوب الخليجي في استخدام الدبلوماسية الوقائية لحرصها على أن تكون عنصراً للتهدئة وليست مساعداً على التوتر.
وخلاصة القول أن استخدام الدبلوماسية الوقائية ضرورية في أوقات التعايش مثلها في ذلك مثل لحظات الوقوف على حافة الصدام وذلك حين يخرج نمط التعامل بين دولتين عن نقطة التوازن المعتاد وهو الدليل على ادراك الدول الخليجية لمتطلبات المسؤولية المصيرية لدول مجلس التعاون الخليجي.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *