علم الفلسفة..!
لا ليس علم الفلسفة ما أرغب في الحديث عنه، فهناك من أسهب في هذه المهمة ممن هم أجدر مني، فإن زدت عليهم في الكلمات لن أضيف جديداً سواءً كنت من البارعين فيه أو المتخذيه على سبيل “الوجهنة”.

إنما حديثي هنا هو ناتج عن ذكرى تحضر إلى ذهني كلما تذكرت هذه الكلمات الثلاثة وهي ترددها معلمة علم الفلسفة “أبلا عصمت”( الحق.. الخير.. الجمال.. )، فكم كانت روحها جميلة وهي تغرس في نفوس طلبة يئس منهم مجتمعهم واعتبرهم عالة عليه،

من الممكن أن تكون طريقتها في نطقها جعلتني كلما أسمعها ابتسم ابتسامة فرح أو فخر، المهم.. أنها تعيد لعقلي صورة من صور المجد كنت داخل إطارها، حتى لو أن ظهوري لم يكن ملحوظاً تماماً داخل ذلك الإطار، إنما مجرد أن أتذكر أنني في تلك الصورة يجعلني أطير من فرط السعادة.
لست هنا لأسرد عليكم إحدى القصص التاريخية، على الرغم من أن ذلك يحقق لي الكثير من المتعة، إلا أني سأحكي لكم قصة طويلة في جمل قصيرة..

كان يا ما كان، قبل عقدين من الزمان، كانت هناك فتاة في مقتبل العمر، تخرجت من الجامعة ولم تكن تبحث عن العمل، لكنها بدافع عدم البقاء للفراغ توجهت إلى إحدى المدارس بنصيحة من قريبة لها، ودخلت إلى المدرسة وفي داخلها تفكير يقول ” لن أعمل في مدرسة .. هذه مجرد فترة لتمضية الوقت إلى أن أجد عمل أحبه.. لم أتخصص ذلك التخصص ليكون مصيري مدرسة.!”

وعندما جاء وقت المقابلة استقبلتها المديرة بوجه حنون باسم لكنه جاد حازم.. وكانت الفتاة قد أعدت الإجابات المتوقعة للأسئلة، إلا انها لم تستخدمها.. فقد صدمت بسؤال المديرة : ( ما هو آخر كتاب قرأتيه..؟)
من فضل الله أن الفتاة كانت تحب القراءة فأجابت
ثم سؤال آخر : ( ولماذا هذا الكتاب ..؟ ماذا أضاف لك ..؟)
تلعثمت في الإجابة لكنها أجابت.

في تلك اللحظة تعجبت الفتاة من الامر، لما لم تسألها عن مؤهلاتها ومهاراتها.. لما لم تسألها عن معدلها الجامعي ..؟

ثم طلبت منها أن تكتب في سطرين كلمات تعبر بهما عن نفسها، كتبت الفتاة السطرين وقد شعرت بالإحباط، بالرغم من عدم حرصها كثيراً على تلك الوظيفة، قرأت مديرة المدرسة الكلمات ثم ابتسمت ونظرت في وجه الفتاة قائلة: (لا تعرفين الفرق بين همزة الوصل والقطع، وتكثرين من النتوءات في كتابتك).

لم تفهم الفتاة من ذلك الحديث هل يعني أن تتفضل بالخروج وتقوم بأخذ دروس في الإملاء، أم تبقى وتكمل المقابلة..؟

لم يمض الكثير، فقد تحولت ملامح السيدة للجدية وقالت:( ستقوم بتدريبك المعلمة نادية لمدة شهر، بعدها ستنتظرين انتهاء العام الدراسي وتباشرين عملك مع بدابة العام الجديد.. في آمان الله) وانتهى الحوار.
حالة من الصمت سادت المكان، كنت أنظر إليها وفي داخلي العديد من علامات التعجب .. ما هذا .؟ هل تم تعيني .؟ ماذا رأت تلك السيدة من أمر يجعلها تقدم على تعيين فتاة لا تعرف الفرق بين همزة الوصل والقطع وفي صرح تعليمي.؟

مرت الأيام ثم السنين، وأمضيت في ذلك الصرح ما يقارب العقدين من الزمن، أدركت ماذا تحمل تلك السيدة من عمق في التفكير، وعرفت لما أصبحت (النصيفية) من أقدم الصروح وأعرقها، فهمت سبب الارتياح الذي يصيب كل من أقدم على أعتابها، ودموع الحزن لكل من فارقها، وكنت في كل يوم تلميذة من التلاميذ تعلمت ما لم أتعلمه في أيام دراستي تعلمت فيها ماذا يعني الحق.. وأين أجد الخير.. وكيف يكون الجمال؟.

للتواصل على تويتر وفيسبوكemanyahyabajunaid

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *