الحرب التجارية بين أمريكا والصين

• د. هاشم بن عبدالله النمر

أثناء حملته الانتخابية كان الرئيس الأمريكي ترامب قد وعد بفرض رسوم جمركية على الواردات الأجنبية وذلك من ضمن سياسته التي تقوم على فكرة أمريكا أولا وحماية البلد واقتصاده. وبعد فوزه بالرئاسة أصبح لابد من تنفيذ وعوده الانتخابية، فكانت الصين البداية لتنفيذ هذه الوعود.

ربما كانت القدرة التنافسية التجارية للصين وتدني أسعار منتجاتها مما أدى إلى القضاء على الصناعات الامريكية أحد الأسباب التي أدت لذلك وقد تكون حقوق الملكية الفكرية وخطة الصين للتوسع والتفرد في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من ضمن برنامج الصين 2025 من أهم الأسباب، لكن كان واضحا بان ترامب قد أشار بان العجز التجاري بين اميركا والصين لصالح الصين بالمحرج والفظيع.

حيث تعتبر أمريكا أكبر دولة مستوردة للبضائع الصينية بقيمة إجمالية 506 مليار دولار وتقدر صادرات أمريكا للصين بحوالي 131 مليار دولار وذلك لعام 2017، أي أن هناك عجز تجاري من الجانب الأمريكي مع الصين بحوالي 375 مليار دولار. وبالرغم من مجموعة الإصلاحات التي عرضتها الصين لخفض العجز التجاري مع أمريكا، إلا أن الرئيس الأمريكي قام بالموافقة على فرض رسوم جمركية على بعض الواردات الصينية كالحديد والالمونيوم تصل إلى 25% وبالمقابل قامت الصين بحركة مضادة ذكية لفرض رسوم بنفس المقدار على بعض السلع الامريكية التي لو لم يتم تصديرها لتم التخلص منها كبقايا الخنازير وبعض المنتجات الزراعية الفائضة عن الحاجة كفول الصويا وغيرها من المنتجات.

الرسوم الجمركية طالت العديد من دول الحلفاء والشركاء لأمريكا مما عاق دخول صادراتهم إلى الأسواق الامريكية. ولقد أظهرت العديد من الدول والمنظمات العالمية ومن ضمنها المفوضية الأوروبية استيائها من فرض رسوم وضرائب تجارية وذلك لأحادية القرار من الجانب الأمريكي لاسيما بان هذا القرار لا يتوافق مع القوانين التجارية الدولية مما يؤدي الى حدوث حرب تجارية عالمية. والحرب التجارية تعني محاولة كل دولة الإضرار بالدولة الأخرى تجاريا عبر فرض ضرائب تجارية على منتجات وواردات مهمة وضرورية للدولة الأخرى. قد يبدو في البداية أن مثل هذا القرار مفيد وقد يحقق رغبة الحكومة بدفع عجلة الصناعة وحماية الصناعة المحلية ولسد العجز التجاري والتقليل من هيمنة البلد الاخر، إلا أنه ستكون له أثاره السلبية أضعاف الفوائد التي من الممكن الحصول عليها. ومنها على سبيل المثال ارتفاع تكلفة الإنتاج وبالتالي ارتفاع السعر النهائي للمنتج وقد يؤدي إلى تقليص الوظائف،

مما يضطر الدولة لزيادة النفقة العامة لتعويض هذه الاضرار. أما على المستوى القصير فإن استمرار الحرب التجارية قد يودي إلى حالة ركود وانخفاض في معدلات نمو الاقتصاد العالمي وانخفاض أسعار النفط وتأثر في الدخل العام، وفي المقابل هناك سيناريو أخر ففي حال استمرار أمريكا فرض رسوم على الصادرات الصينية أن تقوم الصين بفرض رسوم على الوقود الاحفوري الأمريكي وبالتالي فتح المجال للأسواق المصدرة للبترول اقتحام الأسواق الصينية وهذا سيفتح أفاق جديدة للتعاون بين السعودية والصين. أما على المستوى البعيد فأعتقد بان أمريكا لن تستمر في تعندها بفرض رسوم جمركية وخصوصا على دولة كبيرة مثل الصين، حيث يقدر الدين الأمريكي لدى الصين بحوالي 1,200 تريليون دولار أي أن حوالي 20% من ديون أمريكا لدى الصين. أضف إلى ذلك بان المارد الصيني من المراوغين التي تخشى أمريكا الاستمرار في استفزازه،

فإن بنك الشعب “البنك المركزي” الصيني دائما ما يسعى بان تكون فرق العملة بين الايوان الصيني والدولار الأمريكي كبير وذلك لصالح الدولار الأمريكي لتتمكن من زيادة الصادرات الصينية لأمريكا لرخصها ولتقليل التصدير الأمريكي للصين لغلو أسعارها. أي أن هناك مصلحة مشتركة لبقاء الوضع الراهن كما هو بين البلدين حتى لا تخسر الديون الامريكية قيمتها لدى الصين بانخفاض الدولار الأمريكي مقابل الايوان الصيني، بمعنى أخر لو انخفض الدولار الأمريكي فإن العالم سيدخل في أزمة اقتصادية عنيفة جدا ويكون ضررها على الجميع نتيجة لتراكم الديون الامريكية حول العالم فبقاء الوضع الحالي كما هو مطلب للحكومة الصينية والأمريكية وجميع دول العالم على حد سواء.

@Dr_AlNemerH

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *