التنوع بين الثقافات لا يؤدي إلى التضاد

• عبدالله فراج الشريف

لاشك ان الثقافات البشرية في هذا العالم متنوعة، وقد يستفاد من تنوعها للتقارب بين البشر في الغالب، ولكنها في هذا العصر كادت ان تكون سبباً للتضاد والبناء على كراهية بين أهلها، فمنذ عهود الاستعمار الغربي للشرق، خاصة منه العربي والمسلم، والاستشراق المنحاز ضد ثقافات الشعوب المستعمرة يعمل من أجل جعل هذه الثقافات متضادة يعادي بعضها بعضاً ثم استمر هذا عبر الزمان إلى زماننا هذا، حيث نرى الغرب اليوم ينظر إلى ثقافته على أساس أنها الثقافة المتفوقة، وغيرها من الثقافات الأدنى، وهي بهذا لا تشعر بالحاجة إلى تطوير ثقافتها حسب ما في الثقافات الأخرى، من مصادر التميز أو القوة، فتعرض عن هذه الثقافات بالكلية، حتى لو أنها في فترة سابقة قد اعتمدت عليها كثيراً عندما كانت ثقافتها فقيرة في هذه المصادر فنحن نعلم أن الغرب قد اعتمد على الثقافة العربية التي استمدت قوتها عبر استخدام ما لدى الثقافات السابقة لها من مصادر التميز كالثقافة الاغريقية والهندية وان كانت اعتمدت في الأساس على ثقافتها الاصلية المستمدة من الإسلام لكن الغرب اصطدم بالإسلام كدين في فرفض الاعتراف بما فيه من مصادر التميز وجرت بينه وبين المسلمين حروب جعلته يجرد الإسلام من كل ما يتميز به من المصادر الحضارية ولما ضعفت أمته عن طريق هذه الحروب أولاً ثم استعماره عن طريق الغرب أخذ يستبعد أن يكون في الإسلام كحضارة أسباباً للتميز ومن ثم مصادر له، وأخذ يحاول فرض قيمه وإن تدنت واعتبارها الأعلى المتفوقة على كل الحضارات، خاصة بعد أن تقوت حضارته بالأسباب المادية للشعوب الأخرى، ذات الثقافات الاسمى والمتميزة قبل ظهور حضارته المعاصرة، خاصة بعد أن استولى على ثروات شعوب متعددة وها نحن اليوم نعيش زمن إدعاء الغرب أن ثقافته هي الثقافة الاسمى والمتفوقة، التي بلغت به أن تكون إرادته هي الإرادة الحاسمة لتطويع كل شعوب الأرض لحضارته حتى ولو لم ترغب في ذلك، أو أنها أقل شأناً من حضارات شعوب الأرض كافة، واليوم نرى صوراً للاستبداد الغربي لفرض ثقافته على الشعوب الأخرى فإذا كان المسلمون قد تميزوا بحضارة قانونية عبر مصادر الفقه في دينهم مثلاً، فهو يسعى باستمرار للإساءة إليها، ومحاولة أن يجعلها الأدنى، ولو أنه لا يملك الأدلة على ذلك ومحاولات إشاعة قيمه السليية في هذا المجال لا تخفي على أحد، في مجالات عدة في القانون والاجتماع والسياسة ورغم التجارب التي اثبتت تدنيها إلا أنه يزعم أنها المتفوقة وحتى إذا اثبتت الدراسات العلمية تدني حضارته معنوياً، فهو يحاول انكار ذلك من أجل فرض قيماً هي الأدنى، فاذا ارتفعت القيم المادية لديه في كافة المجالات وادت إلى تدهور الحياة المعنوية لدى أفراده والجماعات فهو دوماً يحاول ما استطاع إلى ذلك سبيلاً إلى تزوير واقعها وأنها هي القيم الأعلى، وإذا عجزت القوانين الغربية عن تحقيق العدالة كما هو ظاهر اليوم فهو سادر في غيه وأنها الأقدر على تحقيق العدالة رغم أنها أدت الى تدهور القيم الإنسانية في هذا المجال، وأصبح العدل يغيب عن العالم اليوم بسبب هذا، وما لم يحاول الغرب أن يستفيد من الحضارات التي سبقته خاصة في مجالات تفوقها والبعد عن الاستنكاف عن الأخذ عنها فهو سيدهور حضارته التي بدأت ملامح تدهورها تظهر في الأفق بل لعلها تشيخ رغم تدهورها ولم تعد قادرة على النهوض بحياة الغرب فكيف بها أن تنهض بغيره، فرض الغرب على العالم أن الثقافات تؤدي إلى التضاد فهاجم كل ثقافات العالم، ولم يستطع أن يعطيه ثقافة متميزة، ولعلنا في الشرق لا نخدع بدعاوى الغرب عن تميز حضارته لنستطيع بناء ثقافة عربية إسلامية متميزة جذورها ضاربة في الزمان، فهل نفعل هو ما نرجو والله ولي التوفيق.
ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *