التشدد والانحلال ظاهرتان تخدمان بعضهما

• عبدالله فراج الشريف

لاحظ المتتبعون للظواهر الاجتماعية المتعلقة بالدين ان التشدد الناتج عن الغلو في الدين بالزام العباد بما لا يلزمهم الله به، والانحلال الذي يعني التساهل المذموم حتى لا يلتزم بشيء من الدين أصلا، كلاهما اذا ظهر في مجتمع أدى الى ظهور الآخر معه كردة فعل له، والتاريخ يثبت هذا، ففي الفترات التي ظهر فيها لون من الانحلال الاخلاقي الذميم حتى لم يقم الدين الحنيف أثر في النفوس صاحبه دوماً ظهور موجات متلاحقة من الغلو والتشدد في الدين، الذي لم يأذن الله به، ففي العصر العباسي المتأخر ظهر ألوان من الانحلال فوجدت حانات الخمر واقتنيت الجواري وظهر لون من الفسق غير معهود فظهر بسبب ذلك متشددون بلغ من تشددهم أحياناً العدوان على الأنفس والأموال، ولولا أن تدارك الله العباد برحمته لوقعت حروب لا نهاية لها، ومن يقرأ التاريخ يجد لذلك صوراً على مر الأيام والليالي، فما أنّ تظهر موجة غلو وتشدد الا ويصاحبها أيضاً موجة مضادة من دعاوى ظاهرة للانحلال وان البست ثوب الوسطية أحياناً او التسامح وما اشبه، وهي في الحقيقة استهداف لقيم الدين، فالذي يدعو المرأة للتبرج وأن تعمل في أعمال تخدش الحياء ، مما حرمه الله، فإنما يدعو لفساد لا استنارة، لكنه يغلف دعوته بعبارات القصد منها تضليل الناس، والذي همه ان يدعو الناس الى حفلات اللهو والبذخ وما يستثير الغرائز لا يدعو أبداً لاستنارة بقدر ما يدعو الى انحلال ظاهر بين حتى وان ادعى ان ذلك تنويراً، وهذا الذي لا يرى في شرب الخمر مانعاً شرعياً فإنما يدعو لضلال لا لتنوير، وهذا الذي لا يرى في الدعوة الى ترك الدين إلاّ حرية مفقودة يتمنى أن توجد ليس ما يدعو اليه تنويراً وإنما اظلام وتضليل، وهذا الذي لا يرى في حجاب المرأة المسلمة إلاّ قيداً على حريتها ليس ممن يدعون الى وسطية دين بل هو يدعو لتطرف نحو الانحلال لا أكثر، وحينما ينشط بين الناس من يدعوهم لكل هذا فإنما يدعون الى فساد وانحلال لا وسطية واستنارة، وهؤلاء الذين همهم حرب المؤسسات الدينية ونسبة كل شر اليها ليس همهم نشر الوسطية بين الناس بقدر ما يدعونهم الى فساد وإفساد يقضي على دين واخلاق المجتمع، وهذا الذي لم يعرف قط بعلم ولا تدين ويحرص كل الحرص على تشويه حقائق الدين والفضائل ويرى انحرافاً عن سلوك البشر السوي كما يزعم، انما هو عدو لنفسه قبل ان يكون عدواً للفضيلة، ولعل ما نراه اليوم من هذه الظواهر المتضادة من دعوات متصاعدة للتخفيف من كل التزام ديني بحجة ان الداعين اليه متشددون والدعوة الى كل ما فيه انحراف عن الدين انما هم اعداء للإنسانية التي لا يستقيم أمرها الا مع الحفاظ على الدين والخلق، والذين اليوم لا هم لهم سوى رفع الاصوات كما يزعمون لاصلاح الخطاب الديني وما للدين من خطاب سوى ما شرعه الله لعباده، فإنما يريدون الا يبقى من يدعو الى الدين والخلق، أما إصلاح خطاب المتشددين فلا احد أقدر عليه من علماء عرفوا الحق ودعوا اليه وهذه الهجمة التي نرى تصاعدها المستمر على كل ما له علاقة بالدين، حتما ليست غايتها إصلاح خطابات المتشددين الغالين في الدين، وانما خطاب مضاد للداعين للحق والخلق والدين، أما هؤلاء الغالين المتشددون فسالمون منهم لا يتعرضون لهم أصلاً، وإنما ينصب هجومهم على هؤلاء الذين يدعون الى الحق والدين والخلق، ففيهم الخطر عليهم، أما اولئك فهم الذين يساعدونهم في الواقع على نشر ما يريدون من الانحلال ويدفعون اليه دفعاً، حبب الله الينا الايمان وزينه في قلوبنا وكره الينا الكفر والعصيان، وسلك بنا مسالك الهدى الموصلة الى رضى ربنا، انه القادر على ذلك والله ولي التوفيق.
ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *