لعل من اهم اسباب انتشار الاسلام هو بساطة احكامه، وان الايمان به دلائله العقلية لا يمكن التشكيك فيها، لهذا انتشر بسهولة ولم تنجح مواجهته من قبل اهل العقائد الاخرى، لذا فهو ليس في حاجة ان تتولى جماعة تدعي انها الاقوى فكرياً والأقدر على ان تتولى الحكم به او دعوة الناس اليه، وان ادعاء اية جماعة ذلك وأنها وحدها من تدرك حقائقه، ولها القدرة ان توجه الناس الى شرائعه وعقائده الصحيحة فما ذلك كله الا زعم باطل، فلم يجعل لاحد سلطاناً على معتنقي الاسلام على هذه الصورة أبداً، ولحماية الامة من التفرق لتعي كل جماعة منها انها وحدها من تعرف الاسلام المعرفة الصحيحة، ولذلك تعطي نفسها الحق في الدعوة اليه وتطبيق احكامه دون سائر الامة، وتلزم المسلمين باتباع طريقها والا حكمت بكفرها وردتها وانها بزعمها عادت الى الجاهلية، مما نقرأه في أدبيات هذه الجماعات، التي ظهرت في ارض المسلمين ومنهجها واحد وطريقتها في تفريق المسلمين واحدة، منذ ظهر الخوارج اول مرة وحتى يوم الناس هذا، فالله عز وجل دعانا الى امر بنص كتابه، لا نرضى من أحد ان يصرفنا عنه ابداً حيث يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحت بنعمته اخوانا، وكنتم على شفا حفرة فأنقذكم منها كذلك بين الله آياته لكم لعلكم تهتدون) فالاعتصام احكامه، وتفريقهم الى جماعات وطوائف يدعي بعضها انه لا يفهمه ولا يتبع احكامه سواهم شذوذ في العقل والسلوك، فقد يكون من يدعي ذلك وهو الغالب هو من فهمه عبر التاريخ ان ذلك هو الحق، فما انفردت جماعة عن سواد الامة تدعي فهماً للاسلام غير ما يفهمونه الا وكان ذلك شذوذاً عن الدين واحكامه ومقاصده، وهي الجماعات التي تنتشر اليوم في سائر اوطان المسلمين تتعدد مسمياتها وتتفق ان كلا منها شذ عن الامة في فهمها لدينها، واصبحت خطراً على اعتصامها بحبل الله المؤدي الى وفاق الامة وعدم اختلافها، كما هو نص الآية الكريمة، فتعدد هذه الجماعات وتنازعها هو ما اشارت اليه بقول الله تعالى (واذكروا نعمة الله عليكم اذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم).
عندما ظهر الاسلام بافتراق العرب الى قبائل متنازعة، كل منها يعبد صنماً وسبحان الله، فاليوم هذه الجماعات لكل منها أمير، او خليفة تسميه كذلك وما هو الا طاغوت يحرفها عن صحيح الدين الى صورة قبيحة عنه لا يرضاها العقل ولا الدين، وهذه الجماعة غاب عنها المقصد الاسمى لهذا الدين الذي اسفرت عنه الآية الكريمة حيث يقول ربنا عز وجل (انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) فاخاء الايمان يمنع التفرق فان دعي اليه احد ونازع غيره في الدين امرنا ان نصلح بين المتنازعين، فان لم يفلح الصلح فالمعتدي منهما قاتله من اعتدى عليه حتى يفيء لامر الله في قوله تعالى (وان طائفتين من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله، فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب المقسطين) وحتى نتجنب هذا العبث الذي يجري في اوطاننا من هذه الجماعات فلنرد الامر الى نصابه، فديننا يأبى التحزب والتنازع فقد حذرنا ربنا ذلك فقال (واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين) فتفريق الامة الى جماعات ابعد ما تكون عن الدين وحقيقته، وانما تسعى لان تمتلك سدة الحكم، وتتحكم المسلمين بمناهج عرفنا على مر التاريخ بطلانها حينما جاء الخوارج الاولون فزعموا انما يدعون المسلمين الى حكم الله، وقد فهموا آيات كتاب الله فهماً خاطئاً، ثم جاء بعدهم من نشر بين المسلمين نظرية اسماها الحاكمية، وادعى انها اس الاسلام لا تصح عقائد الناس الا بها، فزوروا دينا ليس هو الدين، وارادوا احتكاره لما يقولون فوقع التنازع بسبب ما نشره من مناهج وافكار وآن للمسلمين ان يكشفوا سيء عقائدهم ومناهجهم وان يواجهوها بما يقضي عليها وعليهم، فهو ما نرجو والله ولي التوفيق.

ص. ب 35485 جدة 21499 فاكس 6407043

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *