الاجتهاد لا يعني فوضى الفتاوى
أن يفتي في مسائل العلم الدقيقة كل طالب علم ديني مهما كانت ضآءلة علمه فهي الكارثة التي تحل بالأمة وهو الأمر الذي دعى بعض العلماء منذ القرن الخامس الهجري يدعون الى قفل باب الاجتهاد حينما وجدوا ممن قل علمهم الخوض في أعوص مشكلات المسلمين والافتاء فيها بما لا يناسب الشرع الحنيف، فثارت ضد بعضهم حملة لمنعهم من القول في الدين بلا علم، ولا يعلم عظم الجهد الذي يكابده العالم بالدين للوصول الى درجة ان يكون مجتهداً الا من خاض غمار هذا العلم العمر كله حتى لم يجتهد الا وان احس من نفسه الا مزيداً على الدرجة التي بلغها من العلم وحتى سلّم له أنداده العلماء بما بلغ من العلم وانه قد اصبح من حقه ان يجتهد، ولم يلاحظوا فقط الشروط العلمية بل ونظروا سيرته ومسلكه في الحياة، فاختبروا التزامه بالشرع ومدى تطبيقه في حياته وما وصل اليه من ما يتصف به من تقوى وورع وخوف من الله عز وجل، ورأوا ان بعض من انتسبوا الى العلم ممن قل علمهم وتسرعوا لتولي منصب الافتاء قبل ان يتأهلوا له افسدوا وافتوا بلا علم نادت جمهرة منهم أن من يصح ان يصبح مجتهداً قد فقد وما علموا ان الله الذي انزل هذا الكتاب وارسل هذا الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو من جعل الاجتهاد طريقاً الى الوصول الى الاحكام الشرعية، ومن هنا شاع بين العلماء منذ العصر الاول الا يكون مجتهداً الى من بلغ درجة العلم، جعلوا لها شروطاً يظنون ان بتوافرها في الانسان تعينه على الاجتهاد، والتزم أهل العلم الشرعي بذلك، ورعى المسلمون المجتهد منهم الذي بلغ رتبة الاجتهاد فأصغوا اليه، وتطاول الزمن فحشد اثناءه من العلماء القادرين العدد الذي وفى باحتياج الامة آنذاك الى أمثالهم، حتى حل بالعلم الشرعي التصحر، واصبح كثير من قليلي العلم يدعي القدرة على الاجتهاد، حتى وجدنا في عصورنا المتأخرة من ينعى على العلماء المسلمين ان قالوا بشروط لازم توافرها لمن يتصدى للاجتهاد ممن ينتسب للعمل وقالوا: ان هذه الشروط ما أنزل الله بها من سلطان، وان كل احد قادر عليه، ومادام عربي اللسان يستطيع قراءة القرآن الكريم والحديث الشريف صح له ان ينظر فيهما ويستنبط منهما، وهو يعلم ان ما يقوله ليس بصحيح أبداً، ونقول له: مرجعك الكتاب والسنة وهما مرجع كل مسلم مع القياس والاجماع، فأجتهد لنا في حكم لم تسبقْ اليه منهما، وستجده اعجز الناس عن شيء مثل هذا فلا علمه باللغة العربية قد وصل الى الدرجة التي تعطيه الحق في فهم القرآن والحديث فهماً مستقيماً، ولا اطلاعه على باقي العلوم الشرعية مؤهل له لفهمها لهذا نسمع من هؤلاء الذين يتحدثون بهذا الاسلوب عن الاجتهاد العجائب لغياب العلم الحقيقي عنه بمصادر الاحكام وعلى أي شيء تبنى، ومثل هذه الاقوال اذا شاعت هونت من شأن العلم الديني، وظن الجاهلون به انهم قادرون على الخوض فيه، وابداء الرأي في الاحكام دون علم لا بالدليل، او الحكم المدلول عليه‘ ورأينا مؤخراً من العجائب من صنف أناس لا صلة لهم أصلا بعلم الدين أقوالاً تظهر جهلهم التام بهذا العلم بل وتراهم يقولون فيه اقوالا يضحك منها الصبية في مدارسهم الأولية، ورأينا منهم أعدادا متكاثرة تعلن عن رأي في الدين لو كان في غير هذا العصر لأوجب عليهم من العقوبات ما يردعهم عن الخوض في علم الدين ويزجرهم عن التمادي بالباطل فيه، ولكن بعض من انتسبوا الى علم الدين زوراً وهم ليسوا لذلك اهلا مهدوا بأقوالهم المتناقضة لكل احد يرضى بحكم من احكام هذا الدين يظن انه مؤهل بجهله لإبطاله حتى لا ترى متحدثاً في أي علم بجهل أكثر من المتحدثين في الدين بلا علم، فكل العلوم يحميها أهلها من التسلق على اسوارها للخوض فيها بجهل الا علوم الدين، وكأنها كل مباح لكل من هب ودب، لا يرعى الله وهو ينظر في كتبها ويستطيع بكل سهولة ان ينتقدها وهو لا يملك الادوات اللازمة لهذا النقد، ولو ذهب لينتقد رواية ماجنة سمعت الاصوات المستنكرة من كل صوب وحدب تنهال عليه، اما هذا الذي لا يعرف من علوم الدين حتى القشور يدعي القدرة على نقدها ولا يثور أحد على ما يفعل، ويزداد هذا الجهل شيوعاً فان لم يحط علماء الدين علومه بسياج لا يخترق ويطالبوا بعقوبات حقيقية لمن يدعي علماً به وهو لا يملكه ويجعله هذا يقدم على القول فيه بلا علم فان مسؤولية ضياع كثير من الدين تقع عليهم فهل يستيقظون هو ما ارجو. والله ولي التوفيق.
ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
slshareef_a2005@yahoo.com
التصنيف: