مهما حاول أهل الاختصاص وضع معايير أو تعريف للجمال فإنه يبقى دون مستوى حقيقته الكبرى وأناقته السامية وعلو مكانته الذي يتسامى ويصطبغ في كل شيء خلقه الله تعالى والجمال تلك اللمسة الأخاذة والينبوع الذي يصبّ الفرح للخاطر والبهجة في النفس وهو مثل قطرة الماء الباردة لصائم ترطب جوفه في يوم قائظ … وهو المسحة على رأس اليتيم وهو الوفاء لمن أسدى معروفاً (حتى المعروف يُسمى جميلاً ) لأنه صورة معنوية من أجمل الصور الإنسانية .
ونستطيع القول بأنّ الجمال هو الصورة المثلى للإحسان والكمال والأناقة والسمو ، إنه موجود في كل الأشياءء وفي كلّ الأحوال والتصرفات والسمات عندما تتخلص من النواقص والعيوب ، وللجمال قدرة سحرية وإمكانية هائلة للتغلغل في جميع الأشياء المادية والمعنوية وهو الذي يلبسها براقع الحسن والجاذبية حتى ولو كانت وضيعة.
ويستطيع المرء أن يضفي لون من ألوان الجمال على سلوكه وأعماله وتعاملاته ومظهره ..وليس الجمال أمراً ثانوياًً أو مخصوص بمجتمع دون آخر ولا بإنسان دون إنسان ، إنه مطلب عام على كل متحضر واعي يعيش في مجتمع أو يتعامل مع أيّ من المخلوقات الأخرى .
وإن الله سبحانه وتعالى أرشدنا إلى أهمية الجمال والإحساس به بتجميل بعض الأعمال التي ظاهرها خشن أوو مناقض للجمال مثل الصبر …لقد أمرنا الله تعالى أن نجعله جميلاً فقال : ( قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميل ..) .
وجاء بالحديث النبوي الشريف : ” إنّ الله جميل يحبُّ الجمال ” والجمال عندما يتجلى في المؤمن يرقى به إلىى درجات الإحسان والقرب من الله ورسوله لقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم : ” إنّ الله كتب الإحسان على كل شيء …….” الحديث ونهانا عن ذبح الشاة أمام أختها وبأن نحدّ الشفرة ونسرع في ذلك ولا نقيّد الشاة بل نريحها … رغم أن الذبح بعيد عن الجمال ولكن كل هذه التعليمات أرى فيها جمالاً ورقيّاً وحضارة لا توصف وإن الرقة في المعاملة وجه من أوجه الجمال وإن الرحمة واللطف وجه آخر من الجمال في كل شيء خلقه الله مسحة من الجمال وأحياناً يتجلى الجمال في الشيء حتى نقول : سبحان الله …تعجباً من طفرة وطغيان الجمال على شيء من مخلوقات الله تعالى . لأن الجمال صفة مضافة يكسو الأشياء الرفاهية والأناقة تتجاوز حدود الكفاية والضرورة وهذا مطلوب في كل مجتمع أن يكون الجمال هو كساء مجتمعهم ظاهراً وباطناً ، يجب أن نضع لمسة من الجمال على نصيحتنا لأحد الإخوان بأن نجعلها سراً وبلطف ، أو بأسلوب غير مباشر ، لقد كان معلم البشرية جمال الأسلوب والذوق الرفيع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما يلاحظ في أحد ممن حوله عيباً أو خلة لا تعجبه لا يباشره بالنصيحة أو الموعظة بل يصعد المنبر ويقول : ” ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا … ” أو كما كان يقول … هذا هو الجمال الذوقي في القيادة وفي النصيحة .
ويستطيع الإنسان أن يجعل الوجود كله من حوله جميلاً قلباً وقالباً فإن التناسق في ألوان الثياب نوع من أنواعع الجمال ومقياس من مقاييسه وكل مجلس أو مجتمع يكون عامراً بالحكمة واللطف والأ لفاظ الجميلة الساحرة المهذبة يكون جميلاً وإن إشعار من يسلم علينا بإظهار حرارة في الرد عليه لنشعره بأهميته وأهمية حضوره نوع من الجمال … علينا أن نجعل الجمال في كل ما يتصل بنا من نظافة وتنسيق وتنظيم كل هذه الأشياء تعطي انطباعاً خاصاً وسحراً إذا أضفنا عليها ثوب الجمال لتفوح رائحته من كلّ مكان حولنا في ألفاظنا وتعابيرنا وحركتنا.
وقد يكون أحدنا مرهف الإحساس وباطنه ومنطقه جميل جداً وقد يكون الإنسان ماهراً في جمال الظاهر وقمةة الجمال وكماله أن يضيف إلى جمال ظاهره جمال الباطن والعكس أيضاً صحيح … وهذا التصرف ليس لاستهلاكنا نحن فقط بل من أجل إنشاء أجيال قادمة عاشت وترعرعت في ربى جمال الحياة ورقي التحضر وبديع المنطق وسحر المعاملة ،،، لا ترقى أمة دون أن يكون ملاكها محاسن الأخلاق. اللهم جملنا بلباس التقوى ولين الكلام وحسن التعبير.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *