استراتيجيات نجاح اقتصاديات الحج

• د. هاشم بن عبدالله النمر

في الوقت الذي يعاني فيه العالم من ركود اقتصادي من فترة لأخرى فإن مكة المكرمة تراها عامرة مزدهرة بحفظ الله ورعايته فهي بمثابة مؤتمر كبير يجتمع فيه ملايين البشر ليعم نفعه على الكل، ليس فقط على مكة وضواحيها بل العالم أجمع. ليس المقصود بالمنفعة الاقتصادية فقط بل حتى الدينية الروحية، كيف لا وقد أشار الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بأن الحجاج يجتمعون ليشهدوا منافع لهم. فهناك المنفعة الدينية المتعلقة برضوان الله سبحانه وتعالى وهناك المنفعة الدنيوية وهي منافع الربح والتجارة.

إن معظم دول العالم تربطها بمكة روابط تجارية تنتعش هذه الروابط وتصل ذروتها في موسم الحج فهناك ترابط تجاري لتصدير المواشي وأخر لصرف العملات وهناك ترابط تجاري لتصدير مختلف السلع التي يحتاجها الحجاج خلال تأديتهم المناسك وقد يبرز الترابط التجاري جليا في مجال الطيران وشركات الحج والعمرة حيث تجد بعض شركات الطيران لا تعمل بكامل طاقتها سوى في موسم الحج وهناك العديد والعديد من أوجه التعاون. ولقد عززت رؤية المملكة 2030 إلى الدور المأمول من قطاع الحج ليكون محرك أساسي للاقتصاد والنمو ولتقليل الاعتماد على الواردات النفطية، حيث تهدف الرؤية إلى استقبال نحو 30 مليون معتمر وحاج وبالوصول إلى ايرادات تصل إلى 47 مليار ريال.

لذا أصبح من الضروري التركيز على القطاعات الإنتاجية المؤثرة في موسم الحج والموازنة بين العرض والطلب لاستيعاب متطلبات الأعداد الضخمة المتزايدة من الحجاج والمعتمرين. وقد تكون المتطلبات مجموعة من الخدمات أو المنتجات والسلع التي قد تؤثر في حال التهاون في تحقيقها على الاقتصاد الكلي المتوقع من موسم الحج. وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أن متوسط إنفاق الحاج على السكن والمواصلات والطعام والهدايا يقدر بحوالي 2500 دولار أمريكي، حيث يأتي قطاع الإسكان والفندقة في المركز الأول بنحو 40% مما يستدعي التركيز والاهتمام بقطاع الإسكان ومحاولة تطويريه لأنه من القطاعات الواعدة التي تسهم في تنمية الاقتصاد. والجدير ذكره بان الرؤية قد اشتملت على عدد من المشاريع التي تهتم بقطاع الإسكان والتي من المفترض أن توفر حوالي 30 فندق مجاورة للحرم المكي.

ويأتي قطاع النقل والمواصلات في المرتبة الثانية من حيث إنفاق الحجاج بنسبة 31% وقد قامت الدولة مشكورة بإنشاء وتطوير شبكة واسعة من الطرق لسهولة نقل الحجاج والمعتمرين ومن ضمنها قطار المشاعر المقدسة وقطار الحرمين السريع. ويأتي قطاع الهدايا والتسوق في المرتبة الثانية بنسبة 14% يليه قطاع التغذية بنسبة 10%. بالرجوع إلى هذه الأرقام ووفقا لأخر الاحصائيات بان هناك ما يزيد عن 1,600 مليار مسلم حول العالم يرغبون وبشدة بتأدية مناسك الحج والعمرة وسوف يصل هذا العدد إلى 2 مليار مسلم بحلول عام 2030 مما سوف يزيد عدد المسلمين الراغبين بتأدية المناسك،

أصبح لزاما إعداد لدراسات والأبحاث التي قد تساعد على معرفة العوامل الأساسية للاستفادة الاقتصادية القصوى من موسم الحج وأقصد هنا على سبيل المثال حصر الفئة العمرية للحجاج والحالة الاجتماعية والتعليمية ونسبة الحجاج المتزوجين إلى الافراد، دراسة كثافة الحجاج نسبة إلى بلدانهم وبالتالي معرفة عاداتهم وتقاليدهم واحتياجاتهم وغيرها من الدارسات التي قد تساهم في توجيه جميع الإمكانات المحلية لخدمة الحاج والمعتمر للوصول إلى الارقام الاقتصادية المرغوبة.

قد يكون من المفيد التركيز على قطاع الإسكان والمواصلات للوصول إلى أهداف الرؤية المتعلقة بالحج لأنها تمثل نحو 70% من نسبة إنفاق الحجاج وقد يكون من العقلانية تحديد مؤشرات أداء لمعرفة مدى نجاح او فشل الوصول إلى هذه الأهداف. إن زيادة العروض المقدمة للإسكان والنقل بحيث تستهدف شرائح عدة من الحجاج قد تكون من الاستراتيجيات المفيدة لنجاح اقتصاديات الحج. إن من المفيد الأخذ في الاعتبار بان هناك من يرغب بالسكن في فندق خمسة نجوم وأخر في سكن متواضع جدا. وقد يكون من الاستراتيجيات الناجحة جدا أن تنافس شركات الطيران المحلية مثيلاتها العالمية بإيجاد أسعار تنافسية لتذاكر الطيران متعددة الأسعار من المقاعد الرخيصة جدا إلى المقاعد المترفة جدا للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الحصة السوقية.
@Dr_AlNemerH

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *