إن العالم يتغير .. حفيدي الجديد

اسمحوا لي ان ازف اليكم خبرا سعيدا يخصني .. ويخص عائلتي ..ويهم المجتمع… لقد وصل حفيدي الجديد الي ارض الحياة وخرج الطبيب وهنأ والده بسلامة الوصول ..وقال لنا .. الحمد لله الام والجنين بألف خير .. وتعانقنا وارتسمت علامات الرضا والسعادة على وجوهنا وحمدنا المولي عز وجل بما انعمه علينا من فضله.

لقد كانت رحلة الحياة طويلة ومضنية للام..مريحة للجنين ..استغرقت تسعة اشهر . ولكنها رحلة لا يدرك الجنين فيها شيئا بعقله الواعي .. بل يعلم بعقله الباطن انه يعيش الحرية بكامل معانيها انه يتحرك ..ويتمتم ..ويركل .. ويضحك ويحلم .. ويسمع .. يختار الوضع الذي يناسبه ..ويأكل ويشرب .. غذاءا ..نقيا وصحيا .. انها رحلة حياة يكتنفها نقيضان .. الظلام ..والحرية ..

وركضنا خلف الممرضات الي غرفة الحضانة ..وهناك وضعوه في صندوق زجاجي بعد غسله بماء الدنيا لاول مرة في حياته ..واخذنا ننظر اليه ونراقبه ونأخذ له الصور التذكارية من كل الجوانب والاوضاع .. والاطراف ..وقالت احداهن بصوت عال ..خذوا له صورة وهو عار ؟ بدون ملابس .. وللاسف ولاول وهلة واول لحظة لوصوله سلبناه اعظم ما يملك .. حريته ..

عزيزي القارئ ..هل يرضيك ان نأخذ لك صورا تذكارية وانت عار ..وفي مثل تلك الاوضاع .. وماذا سيكون رد فعلك؟.
ووقفت خلف الزجاج الحاجز انظر اليه واتمعن حركاته وسكناته ..وتذكرت قول بعض الاصدقاء عندما كنا نتحدث قبل ايام عن مصير ابنائنا واحفادنا وماذا ينتظرهم في خضم الاوضاع السياسية المرعبة .. والاحوال الاقتصادية المتردية .. والحياة الاجتماعية المتناقضة .. وقالوا ..الله يعينهم.. ويقصدون ابناءنا واحفادنا ..

ولكن في تلك اللحظة وانا اشاهد القادم الجديد .. خاطبته بتقنيات التيليباثي.. (التخاطب العقلي) وقلت له ..يا بني .. انني سعيد انك قادم في هذا الزمن .. بالرغم مما اراه من قتل..وتدمير ..وخداع ومعاناة ..وامراض .. وتلوث .. وفساد ..الخ .. فانت الوحيد القادر علي تخليص كوكبنا من هذه العاهات .. امامك طريق ملئ بالفرص ..والثروات ..والابداعات والاختراعات .. يكفيك ..انك ببلوغك سن الخامسة ستري نقله او طفرة حضارية علي كوكب الارض ..قوامها اربعة عوامل رئيسية وهي ..الطاقة.. والاتصالات .. والمواصلات .. واعادة اكتشاف الدماغ البشري ..وطريقة عمله ..واعادة برمجته وشحذه بقدرات خارقة للاكتشاف والتحليل والابداع… تلك العوامل الاربعة ستغير الحياة علي الارض بشكل غير مسبوق.

واقول ايضا .. لحفيدي وجيله القادم انتم محظوظون ..فالآفاق والاكوان مفتوحة امامكم .. واذا استعصت الامور عليكم ..ووجدتم البحر امامكم مسدود وعليه شبوك .. والجبال من خلفكم صامدة شامخة تعيق بناء مساكنكم .. وتحتكم آبار المياه الآسنه .. وتنتظرون الايام والليالي كي تحصلوا علي قطرة ماء .. ولا تجدون سريرا في مستشفي .. وتعليمكم متخلف لا يخاطب العقول ..وينبذ العلم ..وارضكم قاحلة من الورود والزهور والجمال .. ونصف مجتمعكم محرومون من الحياة الطبيعية.. ووجدتم حالكم كما هو عليه حالنا الآن.

فلا تعتقدوا انكم تقرأون كتاب تاريخ لا والف لا .. نحن اجدنا واتقنا صناعة التاريخ وحافظنا عليه من اجلكم. وابقينا الحياة كما هي عليه منذ القرون الوسطي وجعلنا اوطاننا متحفا للماضي .. محميا ومفتوحا ..كي تعرفوا اننا نعتز باصالتنا وتاريخنا ..وان المستقبل لا يعني لنا شيئا لاننا امة جعلت لنفسها خصوصية ..وانها غير كل امم الكون.

اقول لكم لا تيأسوا .. فنحن جيل ارتضى ان يعيش علي الماضي ..ويتغزل فيه .. ونناجيه ..ونتأسي به ..ونسينا انه لدينا اجيال قادمة ستحاكمنا ..وستقتص منا .. وتنبذنا وتلفظنا .. لانه جيل يعيش مع العالم .. ويتأثر به ويؤثر فيه وان لديهم العلم والمعرفة والقدرة والابداع والريادة واولا واخيرا الارادة الحرة المسؤلة .. ويدركون ان عليهم صناعة المستقبل ..علي هذا الكوكب ..او علي الكواكب الاخري .. و ….
ان العالم يتغير.