إن العالم يتحول … وقفت متلعثما …

زين امين

قدمنا أوراقنا أنا ومجموعة من الزملاء للتوظف في الخطوط السعودية ..وقبلوها فورا. وخضعنا لاختبارات قاسية غير معتادة في ذلك الزمان .. وتم قبولنا متدربين وقضينا قرابة سنة واحدة في فصول دراسة علوم الطيران وخدمات الركاب .. وذهب جميعهم الي ادارة الحجز والمبيعات اما انا فتم تعييني مساعدا للتدريب .. في ادارة التدريب التي انشأها المرحوم السيد حمزة الدباغ ..وبدعم وبعد نظر من المرحوم الشيخ احمد صلاح جمجوم .. رئيس مجلس ادارة المؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية آن ذاك ..

وصدر قرار من الرئيس.. بان يخضع كل مدراء المؤسسة للتدريب في برنامج اعد بعناية شديدة. وكان اول فصل دراسي اقف فيه لتقديم الدورة التدريبية ..وكان الحضور 15 من قيادات المؤسسة الكبار !! .. وقفت امامهم مرتعشا متلعثما وطلبت ان يقدم كل واحد منهم نفسه ونبذة قصيرة عن وظيفته وخبراته .. وافاجأ ان من بينهم رجل ضخم حاد النظرات ..يجمع بين النقيضين الصرامة والمرح! . وقدم نفسه بوقار واحترام .. وفيما قال انه شغل وظيفة مدير عام المؤسسة بالنيابة لفترات طويلة .. وهنا اسقط في يدي. ؟! كيف القي دروسي علي مدير عام المؤسسة؟ !

وكانت البداية ان احكي تاريخ السعودية.. وخجلت من نفسي ان احكي حكاية السعودية لمن ساهم في صنع وانشاء وادارة المؤسسة؟ ! امثال العم رشيد رضوان .. والاستاذ رضا حكيم وغيرهم من الكبار الذين كانوا في القاعة .. فالهمني الله ان اطلب من العم رشيد رضوان ان يحكي لنا قصة انشاء السعودية! ! . وطلبت منه ان يقف مكاني واخذت مقعده وجلست انصت اليه باهتمام شديد كي اتعلم منه ومن بقية الاساتذة اسلوب النقاش والحديث اللبق والراقي ..ملؤه المعرفة ..

وانقضت الايام .. وبعد فترة قصيرة لم اقنع بدرجة وظيفتي. ؟! فذهبت الي رئيسي السيد حمزة الدباغ وطلبت منه الترقية؟ . فكان سؤاله لي ..ماهي مبرراتك للترقية؟ . وفيما قلت له ..انني اقوم بتدريب المدراء ومن بينهم مدير عام المؤسسة .. وهذا يكفي ان اكون مؤهلا لوظيفة قيادية ! وهنا صعق السيد حمزة من تبريري الاخير وسألني .. ماذا تعرف عن مهام قائد الطائرة. ؟ وعن محاسبة شركات الطيران؟ وعن صيانة الطائرات؟ وعن اقتصاديات الطيران. ؟ وعن ..الخ ..

وحسم الموضوع بقوله .. امامك مشوار طويل يعد بالسنوات حتي تصبح احد قادة المؤسسة! ! وقال لي .. عندما كنت واقفا في الفصل كنا نهدف ان ننشر ثقافة التدريب واهميته في المؤسسة .. وان الشباب قادرون علي فعل ذلك .. ولقد أهلناك لاداء تلك المهمة.. ولم تكن ابدا بهدف تدريب اولئك العمالقة. !! وكنا نريد ان نبعث الثقة فيك كي تقدر اهمية التدريب والرسالة التي تحملها كي تساعد وتساهم في عمليات التغيير والتحول في المؤسسة! . ونهض من كرسيه وشد علي يدي .. وقال لي المستقبل امامك ..وستأخذ يوما ما مكاني ! وخرجت من مكتبه ويساورني شعور قوي بالفخر والاعتزاز ..

عزيزي القارئ .. كان التدريب وتنمية وتطوير القوي البشرية هو الشغل الشاغل في السعودية .. بل كان اصلا من اصولها .. ! وكانت نبراسا لعشرات الشركات في العالم العربي وبعض دول العالم ..ودارت دوائر التوفير وخفض النفقات .. في كثير من الشركات .. فتراجع التدريب وخبت جذوة اهميته .. وتاثرت الشركات نتيجة تلك القرارات ..وفقدت الكثير ..

الا ان ثورة المعلومات وتقدم التكنولوجيا وتطور الاتصالات اضفت عاملا فاعلا جديدا علي انماط الاعمال وتحولت واصبحت التكنولوجيا الرقمية هي المسيطرة علي كل المناشط .. فاصبح لزاما علي الشركات ان تنهض بالتدربب مرة اخري وتحوله الي ان يكون رقميا ومتاحا علي الدوام لجميع العاملين حتي وهم في غرف نومهم .. ويكفي اليوم ان اشير الي ان الشركات في جميع انحاء العالم زادت من ميزانيات التدريب بمقدار النصف حتي تتمكن من تجهيز البني التحتية الجديدة وتتمكن من سقاية موظفيها بالعلوم والمعارف والسلوك والمهارات المطلوبة لاداء اعمالهم .. وحتي يتمكنوا من مواجهة تحديات التحولات القادمة.

ان العالم يتحول .. والتدريب يتحول ايضا.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *