إن العالم يتحول .. ما قبل جوجل …!

زين امين

ذهبنا انا وبعض الاصدقاء الي مكة المكرمة لأداء واجب عزاء لأحد الاصدقاء .. وانتقلنا من شارع الي شارع ..ومن زقاق الي زقاق نبحث عن مكان العزاء ..ولكن هيهات .. لأن جوجل لم يكن موجودا كي يدلنا علي العنوان ..

وفجأة لاحت لنا اضواء في نهاية زقاق ضيق .. ففرحنا وقلنا فرجت! واتجهنا صوبها ..وفعلا كان عزاء مقاما هناك .. ولكن ليس الناس هم الناس الذين نعرفهم ..وليس العزاء هو الذي نقصده؟ ! ..فقال احدنا ..دعونا نعزيهم ونكسب الثواب ..لاننا لن نصل الي العزاء المقصود الا بعد انتهائه .. وجلسنا لدقائق وأذن العشاء فقمنا بواجب العزاء وانطلقنا صوب سيارتنا ..

ونحن نسير كان وراءنا من يسرع الخطي ويستوقفنا وقال لنا وهو محرج ومتلجلج اللسان نحن آسفون اننا لم ندعوكم للعشاء ..نحن ناس علي قد حالنا! ! . وانتم اكيد غلطانين في العنوان! ولكن اعذرونا نحن عائلة مستورة ..

ولا نمكلك ان نقيم موائد العشاء لمدة ثلاثة ايام .. فأقتصرنا ذلك علي بعض افراد العائلة المقربين جدا .. فطيبنا خاطره ..وقلنا له هذا عين العقل والصواب ..

ووفق السنة النبوية الشريفة .. وقلنا له ياعم ..لا تحزن ولاتحرج .. ان مانفعله دخيل علينا وفيه الكثير من السفه. ! والحرج لغير القادرين .. وهي طقوس لم ينزل الله بها من سلطان؟ ! انها عادات بالية ..ليس لها اي معني .. كلنا نمارسها ولكن ليس لدينا الشجاعة ان نوقفها؟ ! فهذا العشاء ليس ضروريا لا من حيث التوقيت ولا من حيث الناحية الصحية ..وفيه اسراف وأعباء مالية كبيرة ..وفيه حرج كبير لغير القادرين ماديا؟ ! وحتي لوقام به بعض الاهل او الاقارب لا زالت هي جميلة وواجب يتحمل عبؤها اصحاب المتوفي وعليهم ان يردوا الجميل الي اهله في مناسبة اخري ..

يا اصدقائ .. هذا نموذج لسلوك اجتماعي يجب ان يتغير ويتحول الي سلوك ووعي اقتصادي يتطلب شد الحزام .. انها لحظة الحقيقة التي يجب ان نواجهها ونحن امام القرارات الاقتصادية الاخيرة. وانا هنا لا اناقش مبرراتها وحيثياتها .. ولكن اجزم ..ان هذه الصدمة جعلتنا نفيق من غفوتنا ونعيد حساباتنا وسلوكياتنا كمستهلكين .. ولسنا منتجين؟ !

هذه المرحلة تتطلب منا ان نعيد النظر في كثير من العادات والطقوس الاجتماعية البالية والتي لا تتفق مع روح العصر ومتطلباته ..حيث المبالغات والاسراف في حفلات الزواج ومراسم العزاء وموائده التي تطورت واصبحت قائمة الطعام فيها الخيارات المتعددة ..والمبالغة في هدايا المناسبات الاجتماعية واعياد الميلاد والنجاحات والحب والزواج وغيرها كثير ..بل نذهب الي ابعد من ذلك في الاصرار علي شراء الماركات العالمية باهظة الثمن ..ولم نكتفي بذلك بل نصر علي السفر والترفيه مقابل قروض علي حساب بطاقات الائتمان ..

والانكي والامر من كل ذلك هو اصرارنا علي السكن في الاجنحة الفاخرة في المستشفيات والتي تفوق اسعارها طاقة معظم الناس. وقس علي ذلك في كل جوانب سلوكياتنا الاستهلاكية مقارنة بكل شعوب الارض .. لقد فقدنا البوصلة وفقدنا انفسنا وافتقدنا الحكمة والعظة والسلوك الرشيد القويم.

اعزائي القراء .. نحن في حاجة الي شجاعة قوية كي نناهض ونرفض اقامة موائد الغداء والعشاء العامة اثناء مراسم العزاء .. ودعونا نقتصر العزاء علي ليلة واحدة من بعد المغرب وحتي العاشرة مساءا نتوقف خلالها لاداء صلاة العشاء فهناك بعض مدن المملكة وكثير من دول العالم الاسلامي تفعل ذلك .. هذا الاجراء سيزيح عن كاهل اهل المتوفي الكثير من النفقات ..

وتذكروا ان الانهار والبحيرات تتكون من قطرات الامطار ..

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *