[COLOR=blue]صالح المعيض[/COLOR]

بداية أدعو لي ولجميع المسلمين بأن يتقبل الله من الجميع صيامهم وقيامهم ، وأن يجعل ذلك في صالح أعمالهم ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ، يحل علينا عيد الفطر المبارك إن شاء الله ، والذي يترجم فرحة الصائم بأن الله مكنه من صيام وقيام شهر رمضان المبارك ، وكانت مناسبة العيد السعيد ليلتئم الجميع وتتعاضد السواعد وتتآلف القلوب.
لكن مما يؤسف له تلك السلبية التي أصبحت ظاهرة ونعيد الحديث عنها وهو أنه لازال البعض يعتقد أن العيد هو تلك المظاهر البراقة التي قد يبالغ فيها إلى درجة الاعتقاد بأنها المفاهيم الحقيقية لهذه المناسبة السعيدة والعزيزة عند المسلمين ، فنجدهم يبالغون في أقتناء أفخر الملابس والسعي وراء المظاهر التي لم تكن من دواعي العيد إطلاقاً ، بل ذهب البعض إلى ماهو أبعد من ذلك كتغيير أثاث المنازل كل عيد ، أو السعي وراء قضاء العيد في أحد الفنادق أو الشقق المفروشة حتى لو كانت في نفس شارع المنزل أو الشاليهات والمدن السياحية، هذا بخلاف من دأب على قضاء هذه المناسبة السعيدة في الخارج ، والبعض حبذا أن تكون مناسبة خاصة لأخذ أكبر قسط من النوم ، بعيداً عن مايجري حوله سيما في عيد الفطر السعيد ، الذي يأتي بعد خير الشهور شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
وللأسف أنه مع ذلك راح البعض يعتقد أنه بالفعل هذه هي تقريباً مظاهر وأصبحت أمراً مألوفاً ومسلماً به ،وحقيقة العيد وربما ماخفي عن أولئك كان أدهى وأمر مما يتبع ذلك من مصاريف مالية ، وعادات ليست من الإسلام في شيء ، وهذا أمر وارد في ظل تلك التوجهات الغريبة والدخيلة علينا جميعاً ، والتي يجب أن نتنبه لها قبل أن تستفحل ، ونجد أنفسنا في العيد وقد أنسلخنا عن المفاهيم الصحيحة وبدأنا نجري وراء الموضات ونحن لاندري ، حينها قد نحتاج لاسمح الله إلى وقت غير قصير كي نغير تلك المفاهيم الخاطئة ونعيد ترسيخ المفاهيم الصحيحة إلى عقول ناشئتنا.
فالعيد بشكله الحالي لم يكن عيداً بمعناه الصحيح ، والذي كما أسلفت يعطي للمظاهر والشكليات جانب الأهمية بالدرجة الأولى ، ويهمل الجوانب الأهم بدليل هروب البعض من الاحتكاك بمجتمعهم في هذه المناسبة والتي بالاحتكاك تبرز سمو الأهداف النبيلة من وراء ذلك،
العيد هو أن نعيد أنفسنا إلى جادة الصواب وأن نبتعد عن البروتوكولات الساذجة التي أضفت على أعيادنا مزيجاً من البرودة والاتجاه إلى الخنوع والانهزامية ، البرود والمتمثل في عدم استشعار بهجة العيد وأبعاده والخنوع إلى كل ماهو سلبي في القول والعمل ،والانهزامية في مواجهة المجتمع والخروج إلى الشارع وإستشعار عظم هذه المناسبة والتقليل من الاتكالية المفرطة على وسائل الاتصال الحديثة ولو في هذه المناسبة خصوصاً داخل المدينة ، إذ من العيب أن تذهب لزيارة شيخ طاعن بعد صلاة العصر في هذه المناسبة وتسأله عن أبنائه فيقول لقد كلموني بالتلفون وربما يأتون بعد قليل ، أبلغ بنا البرود والخنوع والانهزامية إلى هذه الدرجة ؟ وهل ياترى هذه المفاهيم التي حثتنا عليها مثل هذه المناسبة ؟
العيد أيها البعض أسمى من كل ذلك العيد هو أن نخرج من عزلتنا طوال العام وأن نلتف حول بعضنا ، فيستشعر العالم والمفكر حاجة من هو دونه من العلم والمعرفة ، والراعي أحوال رعيته والغني حاجة الفقير والكبير حاجة الطفل إلى أن يعيش هذا اليوم بكل أبعاده وأن يسعد مثله في هذه المناسبة لكن في حدود ادراك طفولته البريئة ، فيسعد طالب العلم بالجلوس مع أستاذه والرئيس مع المرؤوس والفقير مع الغني والطفل مع الكبير سواسية في بوتقة واحدة لاتفريق بينهم.
مناسبة خالصة لوجهه الله الكريم ربما تقرب من المسافات ماعاكته عقود من الفرقة وسوء الفهم نحن بحاجة في هذه المناسبة السعيدة والتي تتكرر مرتين كل عام إلى غسل قلوبنا من الأدران والترفع عن كل ما قد ينزل الضرر بالغير ليكون ذلك ديدننا جميعاً في هذه الحياة ، بحاجة إلى أن نقف مع المريض حتى يتم شفاؤه ، ومع اليتيم حتى تزول الصدمة ومع المصاب حتى تزول المحنة ومع الطفل حتى يشتد عضده ومع الضعيف حتى تقوى حجته ومع المظلوم حتى تزول مظلمته ومع الطالب حتى ينال مطلبه ومع الكل بالله ومع الله ، فالعيد مدرسة نتعلم منها كلما نسينا ونستزيد من مفاهيمه السامية ما يساعدنا على تجاوز كل المحن بعيداً عن المظاهر والشكليات التي لم نعد نفرق فيها حتى ما يحدث من عادات مستحدثة في مجتمعنا المحلي ولاحول ولاقوة إلا بالله، هذا وكل عام وأنتم بخير.

جدة ص ب ـ 8894 ـ فاكس ـ 6917993

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *