زين العابدين امين
سألني حفيدي مستغربا .. لماذا انتم غاضبون من كلمة ( دلع )..
فقلت له أكل هذا النعيم الذي انتم فيه ولا تعرف معني كلمة ( دلع ) ؟
قال لي ماذا تقصد بالنعيم؟ .. قلت له خذ مثلا اجهزة والعاب الكمبيوتر .. في زماننا كنا نلعب بالمدوان .. والدجاجة التي تبيض .. والسيارة التي تسير بالزنبرك .. وبالطبع دار حوار طويل بيننا كي أشرح له ما أقصد من مفردات وألعاب قديمة عفا عليها الزمن واكتست بغبار الماضي !!
فقال لي ياعمي ( ولم يقل ياجدي ؟.. لاني منعت احفادي من ذلك؟ .. والمعني في قلب الشاعر ) ان معاناتنا أكبر من معاناتكم .. فنحن لا نعرف الدلع .. أنتم أيام كنتم في أعمارنا .. لم تروا العالم .. أما نحن فنرى العالم من خلال ألعابنا .. نراه كيف يفكر وكيف يبدو .. وكيف هي الحياة علي ظهر البسيطة .. وكيف تعيش الدول الفقيرة والدول الغنية .. ونرى نظم التربية والتعليم .. ومباني ومعامل ومختبرات المدارس والجامعات .. وما هو دور المؤسسات والمنظمات والحكومات في اسعاد أطفالها ومواطنيها .. وكيف يفكر مسؤولو الهيئات السياسية من برلمانات .. ومجالس النواب .. والمجالس الشعبية المحلية .. وكيف يبح صوتهم لتحقيق مطالب وطموحات مواطنيهم من خلال مساءلة الجهاز الحكومي .. ومناقشة خطط الوزارات والموازنات العامة للدولة .. والخطط العامة لتطوير وتنمية المجتمع الخ… ماهنالك من رؤى لتمكين المجتمع من المساهمة في استيعاب ناصية التكنولوجيا .. حتي يتأثر بما يجري حوله .. ويؤثر في البناء الحضاري المستقبلي للعالم أجمع …
هذا كان حواري مع حفيدي وتطلعاته .. فهو لا يعرف معني الدلع .. لأن المطالبة بالحقوق لا تعني دلعا .. هذا هو فهم الأجيال القادمة !! بالرغم من اعتقادنا أنهم يعيشون في نعيم .. ولكن هذا الافتراض نابع من موقعنا نحن حيث عانينا في شبابنا صعوبات وقهر وضنك الحياة ..
خذ مثلا .. ما كتبه الأستاذ العملاق “السيد حمزة الدباغ” – أحد رواد تطوير وتنمية القوى البشرية في العالم العربي .. والذي تبوأ مناصب عديدة في حقل الطيران منذ نشأته في المملكة – في كتابه ( من الجمل ..الى الطائرة ) عن قصة الأستاذ المكافح والمتفاني “عبدالسلام سرحان” .. الذي خطط مهابط الطائرات في بداية عصر الطيران في المملكة .. حيث كان يركب حماره ويذهب يوميا لتخطيط المهابط .. وبالطبع كان يحتاج الي ماء ليشربه .. وطعاما يأكله .. ناهيك عن حاجة حماره للماء والبرسيم .. وفي نهاية كل أسبوع كان العم عبدالسلام يدخل في مساومات ومفاوضات مع مندوب وزارة المالية .. حيث يستنكر عليه المندوب كمية وقيمة البرسيم التي يقدمها للحمار .. وكان يرحمه الله يدفع من جيبه لتعويض الفرق في قيمة اكل وشرب الحمار…
ولولا تضحيات العم عبدالسلام .. ربما كنا لا ننعم اليوم بصناعة نقل جوي حديث نركبها أنا وأنتم !! ولكن المفارقة ان راتبه كانت في تلك الأيام قروشا معدودة !! ولوتقاعد عليها وعاش بيننا اليوم .. هل نكتفي بان ندفع له القروش والملاليم .. ونقول له “كفاية دلع” ؟!
وهنا اسمحوا لي ان أسأل الدكتور خليل كردي عضو مجلس الشورى .. بطل رواية ( دلع .. بلا مواطن .. بلا بطيخ ) .. كم متقاعد ضحى براحته وصحته وسعادته لبناء الدولة ومرافق البلاد أيام شبابه كي تعيش الأجيال القادمة حياة مرفهة وسعيدة وهانئة .. ومنها جيل الدكتور كردي؟
أليس من الواجب علينا .. أن نكرم الأجيال التي سبقتنا من المتقاعدين والمسنين ونضمن لهم حياة كريمة من مأكل ومشرب ورعاية صحية .. وميزات وخصومات علي أسعار الخدمات والمشتروات والمواصلات .. وان تزيد دخولهم ومخصصات تقاعدهم كي تتواءم وتكاليف المعيشة المرتفع؟
انني أهنئ وأكبر “الدكتور عبدالعزيز الصويغ” .. عضو مجلس الشورى السابق والدبلوماسي الشجاع لصراحته وعدالته عندما طالب الدكتور خليل كردي بالاستقالة من مجلس الشورى او حتي اقالته .. لتطاوله باصرار علي شريحة كبيرة ومهمة من المجتمع .. التي قدمت خدمات جليلة .. وأفنوا زهرة شبابهم في خدمة الوطن…
للأسف الدكتور كردي لم يدرك دقائق وأهمية موقعه في هذا الكيان الهام جدا ( مجلس الشورى ) .. ألم يعلم هذا العضو وغيره من المسؤولين المتنفذين أن المجتمع السعودي تغير وانه لن يرضى عن الغبن والظلم والفجاجة في التعامل معه؟ .. أفيقوا ايها السادة! قبل ان يأتينا الطوفان .. وابنوا الجسور بين المواطن والمسؤول .. واستمعوا الي مطالبه .. ومعاناته .. وافعلوا كل شئ للتخفيف عنه…
لماذا يادكتور كردي لم تغضب وتقول للمسؤولين المقصرين في الاجهزة والمؤسسات الخدمية (بلاشي دلع) ؟ .. لماذا لم تقل لهم (مسؤول ايه .. وبطيخ ايه) ؟ .. وربما يجرك سوء التقدير لوصف ونعت المسؤولين بكل خضروات وفواكه حلقة الخضار .. بدلا من ان تتجنى علي شريحة كبيرة من مجتمع المتقاعدين عانت كثيرا من الاهمال والتجاهل…
يا دكتور كردي .. بحق الوطن .. والمواطن عليك .. أسألك الرحيلا …

التصنيف:

One Response

  1. مساء الخيرات استاذ زين حفظك الله ..

    اود ان اقول انك اثلجت صدري وصدور الكثيرين ، كما اثني على الدكتور عبد العزيز ورده المباشر على المذكور .

    للاسف اصبحت ما يسمى بثقافة الكردي (الدلع) موضة يمارسها الطبالين ، واصحاب النفوذ ( واللي في فمهم ملعقة ذهب ) ، وتعودنا على تلك العينات بأمثلة سابقة قديمة وتمارس حتى الآن .

    امثلة مؤلمة كالذي خطط لشوارعنا ورصفها في السابق والآن يقولون عنه حرامي ، ورجال المؤسسات كما تفضلت أسسوا الطيران ولا يذكر لهم اي إنجاز بل والأدهى والأمر ان الحال ما زال مستمرا ، ففي مؤسساتنا الآن ينعتون الموظفين بالقدم ، وكأن هذا الموظف القديم لم يفني زهرة شبابه في المؤسسة وتخرج بتقاعد إما على كراسي انتظار المستشفيات يعانون من الضغط والسكر .. الخ ، او كما سمعت عن احد المدراء الذي تقاعد منذ اشهر انه توفى رحمه الله ، فيأتي المذكور ويقول ( دلع ) بكل برود وكأنه اعمى او يتظاهر بالعمى عن طيلة سنوات خدمة الموظف ومعاناته الستينية التي وصفها حضرته بالدلع.

    ما زالت تلك النظرة والظلم للموظف سائدة ، لتسعد الموظف الجديد لوهلة ، الى ان يصطف الى قائمة الموظفين القدم بعد زمن قصير ليتم رمي الاحكام والعيوب والاعباء عليه .

    اتسائل أي عقلية تلك بل ما نوع التخلف هذا ؟!!

    من ناحية أخرى من لا يعيش مع الناس لا يعي ولا يشعر بمعاناة الناس وهذا شيء لا يحتاج الى دراسات .

    يجب على المسؤلين عن تلك الوظائف واصحاب القرار دخول غرف الافاقة والا ستكون العواقب وخيمة في المستقبل ، فخطابهم لن يساير العصر والناس للمستقبل المظلم .

    تحياتي ويوما طيبا ،،،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *