إن العالم يتغير .. بالأحضان …

زين امين

اتصل بنا صديقنا المشترك المخرج القدير الأستاذ عبدالله باجسير، يدعونا لتناول طعام الغشاء – غداء عشاء – في أحد مطاعم الأسماك بالقاهرة .. فقلنا له: للأسف نحن في جدة، وتمنينا عليه أن يبعث لنا بصينية سمك بالبطاطس يتميز بها هذا المطعم .. فقال: لنا ياريت ؟! وبعد المكالمة دار حديث بيني وبين قريبي الأستاذ نزيه السيد، وقلت له: نعم يستطيع أن يبعث لنا بالطبق عن طريق الطابعة ثلاثية الأبعاد التي تطبع الطعام .. حيث سنتمكن في المستقبل من الذهاب إلى مطعم مطبوعات الطعام؛ كي نعد طبقا من اختيارنا أو أن يكون مرسلا من حبيبة، أو صديق لنا .. واتفقنا أنا وهو أن نفتح مطعما بهذه المواصفات .. وضحكنا …

وفي الليل أعلنت الدنيا أن غدا سيكون عيد الأم .. وتذكرت والدتي -رحمة الله عليها- وأجهشت في البكاء، وتمنيت أن اشم رائحتها .. وأخذت قميصها وحضنته وشممته .. ولكن افتقدت حضنها الدافئ وأنفاسها وقبلاتها .. ؟!!

وفي الصباح الباكر، سرحت بخيالي وتساءلت كيف للتكنولوجيا أن تحقق خيالاتنا وأحلامنا، وتقربنا ممن نحب سواء؛ كانوا أحياء أم أموات، وكيف يمكننا أن نشعر بأحضانهم وأنفاسهم وإعادة اختراع معاشرتهم عن بعد؟ ! ومن حسن الطالع أن التكنولوجيا لم تترك شيئا إلا وأدخلت أنفها فيه!

عزيزي القارئ .. كما تعرف أن التكنولوجيا تتحول تدريجيا من أـجهزة نحملها في أيدينا أو داخل محافظنا أو حقائبنا أو على مكاتبنا وطاولاتنا ..إلى تكنولوجيا ملبوسة ..أي يمكننا أن نرتديها؟ ! والأمثلة على ذلك كثيرة .. منها الساعات الهاتفية، والأـجهزة الطبية التي تراقب الحالات الحيوية للإنسان؛ كقياس ضربات القلب والضغط ونسبة السكر في الدم وإشارات بدايات نوبات الصرع .. وأجهزة الإشارات الكهربية لتخفيف الآلام ونظارات الرؤية الخارقة والسماعات التي تمكن فاقدي السمع من العيش بصورة طبيعية ، وحلقات العنق التي تساعد المكفوفين لتجنب عقبات الطريق والجاكيتات الذكية، التي تحافظ على حرارة الجسم صيفا وشتاء، وفي كل ظروف الأجواء المتغيرة …إلخ ، فهناك المئات من الأجهزة التكنولوجية الملبوسة ، التي تخدم البشرية ..

عزيزي القارئ .. نحن الآن بصدد اختراع جديد يعزز من الجوانب العاطفية عند الانسان؛ نتيجة البعد والحرمان، أو الفقد، أو بسبب جوانب نفسية سلوكية تعوقه من التعبير عن مكنوناته العاطفية بالأحضان، والقبلات والتعبير عن المشاعر والعلاقات الحميمية .. فنحن الآن أمام قمصان أو فانيلات تستجيب إلى إشارات وإيماءات وأـحضان وقبلات من نحب، وهم علي بعد منا بآلاف الأميال، أو لمن غادرونا إلى العالم الآخر وقاموا بتسجيل تلك الانفعالات والعواطف الجياشة قبل رحيلهم؛ بغرض الذكرى تماما مثلما نفعل مع الصور ومقاطع الفيديو .. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد ..بل إن هذه الملابس تبث روائح ونكهات طبيعية للأشخاص الذين نحبهم سواء أكاناو آباء أو أمهات أو أبناء أو زوجات أو أصدقاء ..أو حتى الأماكن التي كانوا يرتادونها معنا .. ولكن كل ذلك معزز بالأحضان الطبيعية؛ كما تعودناها ممن نحب.

عزيزي المحب .. أنت تعيش في عصر التطبيقات، فمن خلالها تستطيع أن تسترجع كل تلك العواطف والمشاعر والأحضان والقبلات من خلال هاتفك الذكي، أو من خلال روبوت شبيه بمن تختاره من محبيك في الوقت والمكان، الذي تريده دون أن تعاني البعد والحرمان والوحدة.

هذا وتلعب أدوات وتكنولوجيات الواقع الافتراضي المعزز مع تقنيات الهولوجرافيك المعروفة بتقنيات استحضار الصور المجسمة، والتي يعاد تكوينها بأبعادها الثلاثية والرباعية مجسدة أمامنا علي ارض الواقع .. تلعب تلك التقنيات مجتمعة دورا معززا مع الملبوسات الالكترونية والتي تتيح لنا بعدا آخر من تبادل العواطف والمشاعر والإحساس بتلك الأجساد الإنسانية عند الطلب كحقيقة واقعة.

سيداتي سادتي .. ما أقوله .. أن واقعا جديدا يحولنا من استحضار الجن إلى استحضار من نحب من البشر؛ كي نستعيد ذكرياتنا ونتبادل عواطفنا الجياشة معهم عن بعد، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو مامدي قبول أجيالنا لتلك المشاعر الالكترونية مقارنة بأـجيال العصر. ؟!
وما هو قادم سيكون أعظم غرابة ودهشة..؟!

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *