لكل زمان دولة ورجال. وكل وقت وله آذان. كان ذلك محور حوار مع بعض الأصدقاء، فقد كنّا ننتقد آبناءنا وجيلهم ونتحدث ونقارن بين أيامنا وأيامهم.
كنّت وإخوتي نستيقظ صباحاً|، وبعد أن ننهي استعدادنا يحمل كل منا حقيبته على رأسه، وقد تمرسنا أن نحافظ على توازن تلك الحقائب فوق رؤوسنا دون أن تمسكها أيدينا، فكنا نمشي مسبلين. بعد أن نصل إلى الشارع الرئيسي، نقف وننتظر وصول الخط (الحافلة التي كانت تسمى أنيسة) ذات اللونين الأحمر والأبيض. وقبل أن نصل الى نقطة نزولنا يجب أن ننبه السائق؛ لكي يتوقف بأن نقول له: “على جنب” عند كذا. ونعود مساء للبيت بذات الطريقة، وأحياناً نمشي عائدين إلى البيت لأن إنفاقنا في ذلك اليوم كان أعلى من دخلنا فلا مناص من أن نتحمّل نتيجة أخطائنا.
مساء، كنّا نلعب بجانب البيت مع جيراننا. كنّا ببساطة نلعب بأي شيء متوفر. كرة، طيري، لُب، دراجات، سبعة حجار، جنط، …… أي شيء يتوفر للمتعة والتسلية البريئة المجانية.
كذلك كان يحلو لنا الجلوس على الرصيف والحديث والنكت، ولا نبالي بما يعلق بثيابنا من أوساخ (قلقة) وهي تلك البقعة البنية اللون التي يطبعها ذلك الرصيف على ثيابنا. وكنا نلعب حفاة ولا نبالي بكمية التراب والطين التي تعلق في أقدامنا وسيقاننا، وإذا جرح أحدنا بقطعة زجاج أو مسمار قديم يعلوه الصدأ فكل مانفعله هو الجلوس على الأرض ونزع ذلك المسمار أو قطعة الزجاج ثم نقوم بضرب مكان الجرح بالحذاء لإيقاف الدم ثم نكمل لعبنا.
كان أهلنا يعتمدون علينا من الصغر في قضاء أمور كثيرة، وكنا أقوياء وعلى قدر المسؤولية.
كل ذلك كان صحيحاً ولكن، هل كان ذلك اختيارنا أم كان واقعاً مفروضاً علينا؟ لو كان لدينا فرصة للكسل والدلع هل كنّا نتركها. لو توفرت لي في تلك الأيام لعبة فيديو كالتي يلعب بها ابني الآن، ترى هل كنت سأتركها وأتجه لذلك الجنط وألعب به؟ لو توفر لي سائق يحمل حقيبتي ويوصلني بسيارة مكيفة إلى المدرسة، هل كنت سأصر على الذهاب بالخط ؟ لو كان هناك من يقوم بالأعمال المنزلية التي كنت أقوم بها، هل كنت سأعترض وأقول: إن هذا عملي أنا؟ حقيقة لست أدري، سؤال صعب لا أستطيع الإجابة عليه.
كل ما أنا واثق منه، أنني لم أقم باختيار زماني، وكذلك ابني لم يختر، فلا نقسو على أبنائنا ولننظر ونقيس أعمالهم على زمنهم وليس على زماننا فذلك قياس ظالم. لنكن عوناً لهم ونحاول أن نكون أصدقاءهم. لنذكر أن أجدادنا- رحمهم الله- كانوا أيضاً يتذمرون من زماننا ويعنفوننا ،لأننا في نظرهم مدللون.
طبعاً هناك ثوابت يجب ألا تتغير ونحرص عليها، وعلى غرسها في أبنائنا؛ حتى وإن لعبوا بالكمبيوتر وذهبوا إلى مدارس عالمية، ويركبون سيارات فارهة يقودها سائق خاص.
ختاماً، قدتِ الدراجة مع صديقك؟ أين الإنجاز العظيم في ذلك يا ابنتي؟ ماذا ترين يا ابنتي في هذا؛ حتى تتفاخرين به. كنت أتمنى يا ابنتي أن تعلني أنك تطوعت وصديقاتك وليس صديقك لزيارة دار أيتام مثلاً لخدمتهم وتقديم بعض الهدايا لهم.
أتمنى أن تدخل الفيديوهات التي تنشر في وسائل التواصل تحت نظام المطبوعات والإعلام ولا يسمح بنشر سوى المفيد واللائق لأن ماينشر بهذا الشكل الفوضوي يؤثر على أبنائي وما لاينفع بالتأكيد يضر. على جنب هنا ياعم.

التصنيف:

One Response

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *