إن العالم يتغير .. فوضى السيرك

زين امين

دخلت مقهاي المفضل ووجدته مكتظا بالرواد ..وكانت هناك طاولة شاغرة وبجانبها اخرى يشغلها ثلاثة اشخاص منغمسين في نقاش حاد وصوتهم يضج بالمكان وكان يدور بينهم الحديث التالي:
الاول .. وضعنا في الشركة اصبح مثل السيرك .. ؟!

فقال الثاني ..بل هي الفوضي الخلاقة كما نسمع ..

واصر الاول علي انها سيرك .. واسهب في الوصف قائلا ..صراع دائم بين افراد الادارة العليا ..وحروب ومكائد قاتله بين الموظفين والمدراء والرؤساء ..واصبح الموظفون اعداء مستفزين للشركة ..تري وتسمع فضائحهم ونشر غسيلهم علي شاشات وسائط التواصل الاجتماعي .. يسود قانون الغاب في الشركة ..الي آخر ما هنالك من اوصاف الاحباط والخراب والتخلف الاداري ..وقال احدهم ..رؤساءنا لا يدركون معاناتنا ولا يشعرون بمعاناة العملاء من سوء الخدمات .. انهم يعيشون في عالم اخر يزينون لانفسهم الانجازات والنجاحات .!

وفجأة جاءني صوت اعرفه قائلا لزملائه دعونا نحتكم الي اخينا الاستاذ زين امين ..فالتفت اليهم ودعوني للانضمام اليهم ..وفعلت .. وسألوني الا تتفق معنا ان وضع شركتنا مثل السيرك في الفوضي ..؟!
فابتسمت وقلت لهم ليت كل الشركات تدار مثل مايدار السيرك .. ونظروا الي بدهشة وقالوا لي ..ماذا تقصد؟ .

فقلت لهم …
هناك سمات ادارية ونظم وانظمة دقيقة وبيئة عمل ومناخ مصمم ومدروس مهيئ لادارة اي نشاط في السيرك ..لانه لا ولن يسمح بالفوضي او الصراعات او السلبية او التهاون في الادارة والاختيار والتدريب والجودة والإتقان واولا واخيرا العمل الجماعي والثقة والاحترام بين افراد السيرك.. وحتي الحيوانات؟ !

انها بيئة عمل دقيقة وراقية ومتميزة لان الاخطاء فيها تعني الموت لاحد اعضاء اللاعبين من الفريق ..او حتي موت احد الحيوانات الثمينة والنادرة التي توظف في العاب السيرك وعروضه. وسألتهم هل سمعتم او قرأتم عن صراعات بين افراد وادارة اي سيرك.

وقلت لهم من المفارقات ..ان نشاطات شركتكم شبيهة بنشاطات السيرك في تنوعها وتفردها في الابداع والسعي الدائم لارضاء العملاء واسعادهم ..هناك الكثير من الشركات التي تحتاج ان تتعلم فنون الادارة والتنظيم من ادارات شركات السيرك ..فهي تتفرد وتتميز في عوامل وجوانب كثيرة منها علي سبيل المثال لا الحصر .. الابداع الشديد ..وتعدد جنسيات العاملين ..والتدريب القوي والمكثف والمستمر ..واستقطاب المبدعين ..واحترام اختلاف الثقافات والتركيز علي العمل الجماعي ..والثقة بين العاملين والادارة بكل مستوياتها والدقة والوضوح في النظام والتعليمات اتقان وجودة العمل والتجديد والتطوير والصيانة المستمرة للاجهزة والمعدات الخاصة باللاعبين ..

وايجاد البنية التحتية المطلوبة دون تنازلات او انتقاص او تهاون ..وباختصار فان السيرك يتطلب ايجاد مناخ عمل تنظيمي متقدم ومتطور يستقطب المبدعين ويساعد علي انصهار الفريق في اهداف الشركة .. ويتفاني في انجاح العروض لاسعاد المشاهدين. كل ذلك لم ولن يتحقق الا بايمان الادارة الواعية بتلك القيم واهمية الامكانات والتدريب وايجاد مساحات واسعة للابداع والمبدعين.

وقلت لهم ..في السيرك فانهم يختارون الحيوانات الذكية والنادرة ..ويروضونها ويدربونها .. ويتوددون اليها بل ويشبعونها اكلا وشربا وراحة وسكنا ورعاية طبية فائقة ومعاملة انسانية راقية ..بل يسعون الي ارضائها حتي لو اضطروا ان يخضعوها لجلسات استرخاء ومساجات وسماع للموسيقي .. كل ذلك حتي لا تضطر تلك الحيوانات ان تكشر عن انيابها وتنهش الادارة والمدراء والعملاء .. فما بالكم بالشركات التي يعمل بها الانسان القادر علي فعل كل شئ وصولا الي الابداع والنجاح.

يا سادة .. لقد تغير العالم ..وتغيرت احتياجات العاملين والعملاء ..وبالتالي لا بد وان تغير الشركات اساليب ادارتها وليس امام قادة المنظمات والشركات الا الاستعانة بكل الافكار والاساليب لادارة شركاتهم حتي ولو استعانوا باداريي السيرك ..لان قطاع الاعمال اصبح سيركا كما قال هؤلاء الشباب.

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *