المصطلحات غير المتفق على معنى لها هي سبب الاختلاف

• عبدالله فراج الشريف

كثير مما نرى من الاختلافات في كتابة غير المتخصصين في علوم الدين مع من تخصصوا في علومه تعود في الاصل الى أمر هام يدركه كل عامل في الحقل المعرفي والفكري، فلابد قبل المناقشة حول المسائل المختلف عليها ان تحرر المصطلحات وما تدل عليه، فاذا حررت علمياً واتفق على دلالات لها معلومة سهل حينئذ، التحاور حول المختلف عليه، فمثلاً الذين يدعون الى اصلاح الخطاب الديني لا يميزون بين خطاب مصدره البشر اجتهاداً، وبين نص خطاب من الله تعالى افتضاء او تخييراً أو وضعاً والذي بنى عليه الاصوليون الأحكام الشرعية التكليفية الخمسة الواجب والمندوب والمكروه والحرام والمباح وهذا هو الاقتضاء أي الطلب من الله تعالى لأمر من المكلفين فان كان لازماً سمي الواجب، وان كان غير لازم سمي المندوب، ثم الطلب من الله الكف عن فعل من المكلفين فان كان لازماً فهو الحرام وان كان غير لازم فهو المكروه ثم يأتي التخيير الذي خير الله فيه المكلف بين الفعل والترك لا يرتب عليها أجراً ولا عقوبة وهو المباح وهذا جانب التكليف في الشريعة، اما جانب الوضع فان الله جعل لكل حكم سبباً وشرطاً ومانعاً، والحكم اذا توفرت اسبابه وشروطه وغابت موانعه ثبت، فان اختل من ذلك شيء لم يثبت وهذه تسمى في عرف الأصول أعني أصول الفقه الحكم الوضعي، ومن درس القانون سيجد أن واضعه راعى ذلك كله عند سن القوانين، فأحكام الله عز وجل منضبطة تم بناؤها على أسس لا يمكن هدمها أبداً، ولكن من لا يعلمونها فانما يتحدثون عن مجهول، فالقول حينئذ باصلاح للخطاب الديني، انما يعني ان ما خاطب الله به عباده فيما شرع لهم من احكام يعتريه الخطأ، ولابد من اصلاح له، وهو كما ترى لا يمكن أن يعتريه خطأ، لأنه صادر ممن احكامه كلها عدل، اما ان اريد خطاب من يدعي انه يتحدث باسم الشارع دون تكليف منه فهذا حتماً خطابه كله خطأ لأنه ينسب الى الله ما لم يصدر عنه، والبشر كلهم يخطئ ويصيب الا من اوكل اليه ربنا ان يبلغنا بشرعه واحكامه وهم الانبياء وحدهم، بما في ذلك العلماء فهم بشر يعتري خطابهم الصواب فيحمدون، ويكون فيه الخطأ فيرد عليهم، ولكن من يدرك ذلك منهم من ماثلهم في علمهم لا من لم يطلع على حرف مما يعلمون، ثم نصب نفسه عالماً، فهذا حتماً كل ما يقوله خطأ لا صواب فيه، بسبب بسيط انه يتحدث عن ما يجهل، والعقلاء كلهم يرون من يتحدث عما يجهل لا يأتي بصواب أبداً، والعقلانية لا تعني ما يصدر عني وعنك، رغم أننا موصوفون بالعقلاء، وانما المراد اتباع دليل العقل وهو الضروري من احكام العقل، الذي لا يختلف عليها الناس، اما ما لا دليل له عقلاً، فهو الامر الذي لا يمكننا وصفه بالعقلانية، فلا عقلانية مثلا في الحرية المطلقة، والتي قد تؤدي الى فوضى، كما رأينا اثر ما سمي بالربيع العربي في بعض أقطارنا العربية، حيث نادى البعض بمثل هذا وأدى الى فوضى عارمة، ولا عقلانية في المطالبة بزواج المثليين مثلا، فهو ضد الطبيعة والحرية ذاتها، واعتبار التساكن بين رجل وامرأة عقد زواج ايضا فيه ضياع نعيم الحياة، وكثير مما يطالب به الكثيرون في هذا العصر من هذا الباب الا ما رحم بي، ولابد ان نقول للمتشكيين ممن لا يعرفون احكام هذا الدين ومقاصده وقواعده ان المسلمات فيه لا تذم، ولا يمكن القول انها يعتريها الخطأ او انها من وضع البشر، فتلك دعوى ابطلت منذ زمان طويل، وان المسلمات الثابتة في هذا الدين عبر دليل العقل والشرع لا يمكن ان تكون كذلك حاشا الله، بل سواها هو ما يوصف بذلك، لانه نتاج عقول قاصرة وشتان بين ما صدر عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وما صدر عن غيرهما من البشر الخطائين، والذين تتحكم فيهم الأهواء والشهوات فاللهم ثبتنا على الايمان بدينك، والعمل باحكامه حتى نلقاك وانت راض عنا.
ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
[email protected]

التصنيف:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *