أبشرك..! جاء مطر
دائماً عبارة البشرى لا تأتي إلا بخير، ولعل هذه النظرة التفاؤلية هي السبب من وراء تسمية بعض الإناث باسم بشرى أو بشائر وبعض الذكور ببشير..يا له من وقع جميل في اللفظ والمعنى ( ماذا.؟ هل كنت تجرب وقعها على فمك ووجدانك( لما لا.. فقد اقترنت البشرى دائما بظهور نبي، أو حدوث معجزة، أو قدوم فرج، أو نزول الغيث.. ولعله من باب الفلسفة اللغوية ممكن أيضا استخدامها كأداة للتنبيه، وجذب الاهتمام، فتخيل دخولك على جمع من الأصدقاء في أحد المجالس، وقد انشغل الحضور بالأحاديث الجانبية أو الهواتف النقالة، ثم يأتي صوتك عالياً وأنت في حالة من البشاشة الواضحة قائلاً:” أبشركم يا شباب..؟”
ستمر بعدها حالة من الصمت والهدوء، يصحبها جمهور من العيون يحيط بك من كل جانب، ينتظر أخذ البشارة.. بعدها لك أن تبوح بما تريد، فقد تركت في الأذهان انطباعا قويا بأن كل ما ستقوله يبشر بخير، حتى لو كان الموضوع يخصك وحدك ولا يعني أحداً من الحاضرين، كقولك مثلاً.. أبشركم اشتريت سيارة جديدة، أو أتوظفت، أو رزقت بمولود، لا يهم محتوى قولك فقد تهيأ المستمع للبشرى في كل الأحوال، وتأهب لمشاركتك الفرح.
على النقيض من تلك التباشير، هناك من الأشخاص من يستهل حديثه في الغالب بعبارات تُثقل على المستمع الحوار الذي يليها، مثل يؤسفني، ومع الأسف، والمؤسف في الأمر، وهذه أيضا وقعها في اللفظ والشعور يثير الخيبة.. (هل عدت لتجربها على فمك ووجدانك .؟)
تذكرني تلك العبارات بمشهد يتكرر دائماً في المسلسلات العربية..
المشهد : “داخل أحد المستشفيات.. لوحة معلقة على باب كبير مكتوب عليها عبارة قسم العمليات الجراحية، في تلك اللحظة تحديداً يخرج طبيب من ذلك الباب، وقد غلبت على ملامح وجهه علامات اليأس والحزن، وبدأ في نزع الكمامة والغطاء عن رأسه موجها حديثه نحو مجموعة من المرتقبين تعلقت أعينهم وقبلها قلوبهم بما سيقال: (إحنا عملنا إللي علينا بس للأسف المريض ما استحمل.. البقاء لله) تتبع ذلك الحوار موجة من الصراخ، مع موسيقى حزينة “لا أعلم ماذا كان يشعر من وضع لحنها”، وعلى الرغم من أن ملامح الوجه كانت تكفي دون اللجوء للحوار، ولكن “المخرج عايز كدا”.
إن كانت مسلسلاتنا الدرامية جداً، قد فرض عليها بأمر المخرج، أن تظهر بتلك الصورة الكئيبة وأن الممثل الغلبان لم يكن سوى منفذ لأوامر ذلك المخرج، فلا لوم عليه، بل اللوم كله يقع علينا عندما وافقنا على مشاهدة تلك الأحداث، وتركناها تتكرر بصورة مهترئة، حتى أصبحت سمة تعرف بها بعض المسلسلات العربية.
ولكن.! بعيداً عن سطوة المخرجين، ما الذي يفرض علينا أن نتحملك أيها الشخص المتأسف دائماً، صاحب المنظار المعتم، ونجعلك تملأ حياتنا بؤساً وحزناً.. إن كان دافعنا هو الشفقة، فمن الأولى أن نشفق على أنفسنا ونحميها من تلك الأمراض التي قد تصيبها بكثرة ملازمتها لأناس على شاكلتك، وأن ندفعها لتعيش حياة صحية نقية، مليئة بألوان الطيف الجميلة التي تأتي مع تباشير المطر، ولنجعل لسلطتك على مشاعرنا محدودية، لا تخرج عن نطاق “كلاكيت آخر مرة”.
للتواصل فيسبوك وتويتر emanyahyabajunaid
التصنيف: