عالم السياسة بين المعرفة والهواية
حدثني أحد الزملاء القدامى يسأل عن حالتي الصحية، وهو من الاحبة الذين ما انقطعوا يوماً عن السؤال والحضور لزياراتي ومؤانستي في محنتي، وقال: هل بقي لك من مجالس تزورها، او اجتماعات اصدقاء تلتزم بها، فكانت اجابتي: لا ليس لي منها شيء خاصة وان قلبي لا يحتمل اثر التدخين السلبي، وعضلته لا تعمل الا بـ25% من طاقتها لضعفها الشديد، وجل اجتماعات اخواننا المكيين والجوداويين لا تخلو من تدخين الشيش (الجراك والحمى) او السجائر واحيانا السيجار، والصدر لا يحتمل هذا كله.
والامر الآخر، اجتماعات الناس اليوم هي صورة مصغرة عن المجتمع الذي يعيش فيه افرادها، ومجتمعنا العربي قد بلغ الغاية في سوء الادراك لما يجري على ارضه، وسوء تقديره لما يجري حوله.
ولن تجد عند من يجتمعون من الاصدقاء ان كانوا مثقفين او غيرهم الا ما اعتبروه بالهواية الوحيدة والتي يمارسونها وهي الحديث في السياسة، حتى ولو لم يكن احدهم له اطلاع على شيء منها، ولن اقول هو لا يعرف شيئا عن علومها، نعم للسياسة علوم ترتبط بالادارة والاقتصاد حتى ان الاقتصاد في البداية كان يسمى الاقتصاد السياسي، والمحللون السياسيون رجال تركوا الحياة السياسية في بلدانهم، والتقوا نجوم السياسة وعرفوا توجهاتهم، وقرأوا عنها كثيراً وعرفوا الاتجاهات السياسية، فإذا كتبوا عنها او تحدثوا استمعت الى ثقافة اصيلة في السياسة، فالسياسة تمتنع عن الهواة.
وفي بلادنا حتى اليوم لم نجد المحلل السياسي الذي يشبعك اذا كتب او تحدث في السياسة، واجبرك عن ان تتم قراءة مقاله، وان سمعته متحدثاً لم يصرفك عنه شيء مهما كان مما كنت تحب سماعه، والقلة النادرة التي لا تتجاوز الواحد او الاثنين من الكتاب السياسيين في بلادنا لا تشبع رغم تميزها..
اما السياسة في مجالسنا فهي قد اصابها ما اصابنا ففيها يتحدث من لم يعلم عنها شيئاً، ومن يظن ان تحدث في السياسة اصبح نجماً، وذاك الذي يظن ان الحديث في السياسة مجال للتنكيت واضحاك من حوله، وهذا الذي يظن السياسة مشيخة يمكنه ان يحكم عليها بأقوال الفقهاء والوعاظ والدعاة فنحن شعب لا نعرف من الصحافة الا اسمها وان اكثر الدعاوي بمعرفتنا بها، وقلت لصاحبي: ان ما منعني من ارتياد مجالس الاصدقاء الا الا لم وما شرعت من قبل، والا فان من اصحابها صديق هو الاقرب الى نفسي وله عليّ فضل لا انساه، وهو الاستاذ الكبير محمد سعيد طيب، ولكن المرض حال دون ارتياد مجلسه باستمرار، ولعلي احضر اليه لمجرد ان القاه واسلم عليه ان عاد من سفر.
وليت الجميع في المجالس وخارجها وفي الصحافة والقنوات الفضائية او الاذاعة لا يتحدثون الا بمعرفة وخبرة والا اعتذروا عن حديث قد يظهر جلهم، نصيحة ارجو ان يقبلوها مني، فهو ما ارجو والله ولي التوفيق.
ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043
التصنيف: