ملامح صبح

وقفات جمالية

يكتبها – ابراهيم السمحان
1- اختطاف بؤرة الضوء:
(ارفض الصورة على الرف البعيد)

(1)- لأنه ليس مكانًاً مخصصاً لذلك , مكانها اللائق بها هو صدر الجدار, وما عدا ذلك فهو انحراف متعمد بزاوية الرؤية ، واختطاف لبؤرة الضوء ، وتوجيه النظر ناحية الهامش، حالة واحدة يستطيع فيها الإنسان ، عن عمد وسابق اصرار ، أن يسوغ لنفسه نقل الصورة ، هو حين يعلقها في الهواء الطلق ، حين يحررها من القيود والأطر ويفتح دلالاتها ويوسعها ، بأن يأخذها من وضعية الاختلاف لوضعية الجدل ، كل شيء يتبدل في هذه الحياة ، بما في ذلك مكان الصورة الصحيح ، بيد أن الرف ، سواء أكان قريباً أم بعيداً ، هو إماتة لها لا نقلاً ، وما كان المقطع أعلاه سوى محاولة لاسترداد حياة الصورة ، وبث النبض والضوء فيها من جديد ، في الهوامش تنعدم الأوزان وتتماهى القيم ، فلا الاسم اسماً ولا القيمة قيمة ، وانما هي السباحة في فضاء من الفراغ أو السديم أو الظلام المطبق ، بحيث لو أخرج الناظر اليها يده لم يكد يراها ، الرؤية التي تعزز حضورها وتدفعها للإفصاح عن ممكناتها , هنا ينطوي جسد المقطع على ثيمة عابرة للمسافات ، موحية ومحفزة وذات قدرة خارقة أيضاً , فلم يكن الرفض غير النقل المباشر في حقيقته ، (فلما رآه مستقراً عنده قال ذلك من فضل ربي ) للشعر قدرته على تحديد مكان الجمود الذي قد يصيب اللغة ، وما عليك بعد ذلك سوى جعله هدفاً واصابته بسهام الحركة ، لتتولى اللغة إتمام كل ماتريد ، ولتصبح طوع يديك ، إنني أنظر الآن الى الرف فلا أجد الصورة ، ولن يكون لهذا المشهد أي قيمة مالم نعمل الخيال ونمتطي فرسه ، ففي الخيال ومعه وبه تتجمع ينابيع الحدث فتكون التيار الكفيل بالتغيير المتقد بالدهشة.

2-النوم/ الغياب / الحلم / الرحابة :
(وهم .. وأوهام ..
امد خلف النافذة يدي
اقبضها …اردها
القى بها حفنة ظلام
اروح للصنبور ..
اغسلها انام ..!! )..
(٢)- الخوف يقف منتظرا خلف النافذة ، يتلبس بالوهم ، يوقظ الأشباح المرعبة الكامنة الغائبة في مجرى الدم ، يتعالى النبض، ينتشله من الانتظار، لم يستطع أن يقاوم فضوله، يمد يده فيصطدم بالشيء القابع في الخارج ، الوهم ليس ضعفا بل منفذا تلتهب الحالة في أتونه عبر الاعتراف الذي يوقظ تلك الحالة فيتمرد على السكون الذي يتوارى فيه ويفتح نوافذه لأشباح تموج في الظلمة ، يصافحها كي تمنحه مزيدا من الشجاعة، فتمد يدها العارية ليستكمل وهمه الشرس ويقتحم الخوف وينهال عليه بحمم الكلام متلاعباً به وباللغة معاً وليخرجه من وكره المرعب لأعلى مراتب الاندماج والإتساق التام كيما يباغته بلحظة تفتك به ويطيران سوياً مثل السحابة ثم يعود المشهد مرة أخرى مترعاً بلحظة خاطفة يقبضها بحركة تكاد تكون أوسع من أوهامه لتسوخ وتتلاطم به عبر جدران ظلام دامس وفيما هو يقف خلف النافذة يتلبسنا وإياه مارد الوهم في صراع دام وموجع دون معرفة أينا من سينتصر وعبر ارهاصات واعدة موحية تلامس نهايات كل شيء وتسعى جاهدة لإعادته إلى طبيعيته وسيرته الأولى حتى لو اقتضى ذلك اللجوء الى النوم / الغياب في المتصور الآني , الرحابة / الحلم / والطاقة الطليقة في اللغة الشعرية المتوثبة , ومن حيز ضيق إلى حيز رحب يسير متمهلاً بعد أن نزع غموض تلك اللحظة واستدرجها إلى حيث صنبور الماء / مصدر الحياة ونميرها الثر. تاركاً إياه ينهال بوابله الممطر الكفيل بمحو ما لوثه الوهم ونسجته الكآبة والظلام , إنها الحواس حين تنطلق وتستيقظ , حين تبدد الظلام وتبسط كفيها لقطرات الروح النورانية . بعد قراءة هذا المقطع ندرك بأن النوم هو الصحو والظلام هو تدفق الضوء ..
هوامش:
(١) بدر بن عبدالمحسن
(٢) الحميدي الثقفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *