متابعات

وحش يستقطب الشباب لسلوكيات انعزالية تنتهي بالمخدرات

جدة ـ وليد الفهمي

لا تقتصر المعركة التي يخوضها المدمن حتى يتعافى ويعود إنسانا طبيعيا، على العلاج الطبي، وسحب آثار المخدر من الجسم، رغم خطورة وصعوبة هذه المرحلة، وإنما تمتد المعركة إلى الطريقة التي سيعود بها المتعافي إلى الاندماج في مجتمعه، ومدى قبول هذا المجتمع له.

ويرى الخبراء أن حماية المدمن المتعافي من الانتكاسة والسقوط مجددا في بئر المخدرات السحيقة، تعتمد على اندماجه في المجتمع، واحتضانه من المحيطين به، محذرين من 3 عقبات قاتلة، يصطدم بها حلم التعافي من الإدمان، وهي النظرة الإجرامية للمتعافين، واعتبارهم من أصحاب السوابق الجنائية، بالإضافة إلى زيادة أسباب الخوف من التعامل معهم بمجرد العلم بأنهم كانوا يعانون الإدمان، فضلا عن الانتكاسة التي قد يتعرض لها المتعافي، والتي تجعل من حوله يعتقدون أن مصر على الإدمان، وهي فكرة غير صحيحة مطلقا.

تأهيل المجتمع
وقال الدكتور إبراهيم بن محمد، أستاذ علم اجتماع الجريمة والانحراف، بجامعة الإمام، إن ظاهرة الإدمان على المخدرات، باتت تؤرق جميع المجتمعات، وغالبا ما يترك إدمان الأفراد على المخدرات أثارا سالبة على سلوكياتهم، حتى بعد التعافي من التعاطي، سواء تجاه أنفسهم أو الآخرين.

وأضاف أن اتجاهات المجتمع تتشكل بشكل سلبي نحو المدمنين، حتى أن أسرهم نفسها تكاد تلفظهم، رغم أن للمجتمع دور كبير جدا، وخطير، في إعادة تهيئة وتأهيل المدمن، والتخفيف من معاناته، سواء قبل تعافيه أو بعد التعافي.

وأشار إلى أنه يجب تأهيل المجتمع لتقبل المدمن المتعافي، إذ إن هذا التأهيل لا يقتصر على المدمن فقط، وإنما يجب على المجتمع أن يدرك مبكرا، أن هذا الشخص ليس مجرما.

النظرة الإجرامية
وحذر الخبير الاجتماعي، من توجيه نظرة إجرامية للمدمن، واعتباره من مرتكبي الجرائم الجنائية، لأن هذه النظرة تعزز من الإحباط الذي يعيشه نتيجة التجربة التي مر بها، وهو ما قد يسهم في سقوطه من جديد ضحية للمخدرات.

وقال: “نلاحظ أن معظم البرامج المتخصصة، لا تركز على التأهيل النفسي لمواجهة المجتمع، وهو ما يزيد من حجم المشكلة، نتيجة عدم اقتناع المدمن بأن المجتمع لديه القدرة على التعامل مع حالته؛ مما يفقده الثقة بالجهود الإصلاحية والتأهيلية”.

ولفت الدكتور إبراهيم، إلى أن من الإشكالات في التعامل مع المدمنين المتعافين، التركيز على البرامج المعنية بالتهيئة للعمل، دون الاهتمام بالمهارات الحياتية، التي تؤهل المدمنين للاستفادة من البرامج المهنية، والحصول على فرص العمل أو إقامة المشروعات الخاصة بهم.

انتكاسة إجبارية:
وأضاف الخبير الاجتماعي، الدكتور إبراهيم بن محمد: “من المتعارف عليه بحسب الدراسات، التي بحثت في هذه القضية، أن معظم المدمنين يعيشون ما يسمى صدمة ما بعد التعافي، بدءاً من حالة عدم تقبلهم من الأسرة والأقارب والجيران، ومن المجتمع ككل، ومرورا بتجاوز أزمتهم المالية الناتجة عن انقطاعهم عن العمل والإنتاج، وانتهاءً برحلة البحث عن وظيفة؛ مما يتسبب غالبا في ردة فعل عكسية للمتعافين، قد تعيدهم إلى انتكاسة، تكون على غير إرادتهم، وليس كما يظن البعض أنهم مصرون على الإدمان رغم علاجهم”.

تدخل الدولة مطلوب:
ودعا الدكتور إبراهيم بن محمد، إلى تدخل الدولة ممثلة في المديرية العامة لمكافحة المخدرات، مع اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، ولجنة رعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم، لتحقيق التوافق المطلوب بين المدمن المتعافي، والمجتمع ككل، ويتضمن ذلك الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، من خلال تطوير مهاراته الحياتية، وتهيئته للعمل بتطوير قدراته وخبراته، وتحديد بعد ذلك نوعية البرامج التأهيلية المطلوب تنفيذها داخل مراكز العلاج والإصلاحيات.

وشدد على أن مساعدة المدمنين المتعافين في الاندماج مع المجتمع وتهيئة فرص العمل والحصول على وظائف بعد علاجهم أو الإفراج عنهم؛ أمر يحتاج إلى تكامل وتشارك بين الجهات المختصة والقطاعات الأخرى سواءً الحكومية أو الأهلية أو حتى مؤسسات المجتمع المدني مثل: الجمعيات الأهلية ولجان التنمية الاجتماعية و أن الجهود المبذولة في البحث عن وظيفة مناسبة للمدمنين المتعافين يفضل أن تبدأ قبل خروجهم من مراكز العلاج أو الإصلاحيات بحيث لا تكون هناك فترة فراغ بعد خروجهم قد تعرضهم للعودة للتعاطي أو تؤثر على رغبتهم بتحمل مسؤولياتهم الحياتية أو استعدادهم للعمل.

خوف المجتمع يعيق عودة المدمن:
بدوره أشار الأخصائي النفسي سليمان الزايدي، إلى أن تعاطي المخدرات يعبث في شخصية الإنسان، ويدخله دوامة لا تنتهي من أسباب الخوف من المجتمع، وخوف المجتمع منه، بمجرد أن يعلم أنه كان مدمنا، وهي أمور يدركها المدمن جيدا، وتصيبه بالإحباط المبكر، لتوقعه طريقة تعامل المجتمع معه.

وأوضح أن أغلبية المدمنين لديهم معدلات منخفضة من التواصل مع الآخرين، بما يجعله ضعاف النفس، ويسهل إسقاطهم في براثن المخدرات.

مواقع التواصل متهم رئيس:
ولفت الزايدي إلى أن مواقع التواصل لها دور كبير في إسقاط الشباب في براثن الإدمان، لأنها تعودهم على السلوكيات الانعزالية، والانفراد بحياتهم بعيدا عن أسرهم، ومحيطهم القريب، كما أن لها دور كبير في تفشي ترويج المخدرات.

وشدد الزايدي على ضرورة توعية المجتمع بأن الإدمان مصنف كمرض، يحتاج علاجه إلى تأهيل نفسي، وسلوكي أيضاً.

التاريخ العلاجي مهم:
ويرى الصيدلي بمركز الكويت للصحة النفسية، خالد وليد حسين، أن احتواء المتعافين من الإدمان يجب أن يتضمن النظر في الحالات الفردية، والأخذ في الاعتبار، التاريخ العلاجي للمريض، من أجل تقييم قدرته على أداء وظيفة معينة.

وأشار إلى أن تقييم الالتزام في العلاج، يوضح مدى قابليته للاندماج في المجتمع، أو العودة للإدمان، وبالتالي يمكن رسم الخطة المستقبلية للتعامل معه بعد شفائه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *