شذرات

هــــــــــل يقـــــــــرأ

ركضت نحو مكتبتها لتختار رواية لصديقتها، التي وبعد نقاش اقنعت زوجها بأن تستعير رواية لتقرأها، بدل أن تقتل الوقت على الإنترنت. كانت هذه شكواه الأولى، فهي تجلس بالساعات لتشاهد دراما تجعلها حزينة فتتذكر أهلها، فتبدأ بموشح البكاء والنكد – على حد تعبيره!
حاوَلت أن تختار رواية خفيفة، فهي تريد أن تكسب قارئة جديدة إلى عالم الكتب، لذا ستختار شيئًا بسيط.
لأول مرة تقف مبهورة محتارة أمام الروايات التي تزين مكتبة بيتها المتواضعة، فكرت مالذي ستختار؟ هل تختار لها من كتابات العمالقة العرب، أم من الأدب الروسي، أو تختار رواية من الأدب العالمي المترجم؟ قررت أن تختار رواية قصيرة بعض الشيء، قريبة من تفكير صديقتها ويُسمَح بتواجدها في المنزل!
إختارت رواية مترجمة من الأدب العالمي، قدمتها لصديقتها وهي تعطيها نبذة عن الكاتب. وقبل أن تعطي نبذة عن الرواية، امتدت يد زوجها بسرعة والتقطها، بدأ بفتح صفحاتها لا على التعيين، كأنه يبحث عن شيء مختبئ بين أسطرها أو عن رسالة بين كلماتها! تراقبه وفي فمها هذا السؤال الحارق: هل وجدت أحد في الرواية!؟
تَململ الرجل قبل أن يشرح بأنه يفضّل أن تقرأ روايات عربية تتناسب مع بيئتهم ودينهم، فهو يريد لزوجته أن تقرأ شيئًا مفيدًا!
أرادت أن تعلّق، لكنها قررت أن “تقصر الشر”، تذكرت أن الهدف هو تثقيف صديقتها، أما هو، فببساطة لن تخوض معه معركة قد تخسر بسببها قارئة جديدة.
وقفت من جديد أمام مكتبتها، أرادت ولو للحظة أن تتحول إلى مرآة لتسألها: مرايتي يا مرايتي، إختاري أنت رواية من جوفك.
إختارت رواية “الشحاد” لنجيب محفوظ، لكنها توقفت أمام روايتين لروائيين معاصرين، أيهما تختار! الأولى تناقش عادات وتفكير مجتمع ما، وتفتح نوافذ على أمور لا نتحدث عنها عادة، وأخرى تناقش مشكلة في مجتمع آخر، وتذهب من قصص الخدم إلى تمكين المرأة إلى آخره. ماهذه المشكلة التي أوقعت نفسها بها، ألم يكن من الأسهل أن تعطيها “طقطوقة” أو مجلة ما وانتهينا؟ لكن المشكلة الجميلة أنها لا تملك تلك الأنواع من الكتب!
قدمت لها رواية “الشحاد” والرواية الأخرى، وهي تقول بصوت مطمئن: هذه رواية لنجيب محفوظ. لم يمدّ الرجل يده إلى تلك الرواية بل قفز إلى الرواية الجديدة باحثا ومتفحصًا في صفحاتها، يقلّبها وينظر إلى الغلاف وإلى صورة الكاتب، ويتلمسها وكأنه يحاول أن يشمها ليجد علّة بها!
نظرت نحوه وارتسمت على وجهها ابتسامة تخفي وراءها غضباً، وقالت: يا أخي، لم أجد رواية تتناسب مع ذوقك وآرائك، مع أنك لن تقرأها ولو بداعي الفضول. لكن عندي سؤال، إن أرادت زوجتك أن تقرأ أي كتاب كان، ألن تستخدم الإنترنت لتجده؟ هل ستدخل إلى قلب الشبكة وتتفحصها وتبحث بين رموزها؟
أعطت صديقتها مهلة عشرة أيام لتنهي الرواية الأولى، بينما يأخذ الزوج وقته في تفحّص الثانية، لعله يقرأ!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *