الأرشيف مقالات الزملاء

نحنُ .. وعجوزُ المانيا

بخيت طالع الزهراني

1
ما أقوله هنا ليس صلب الموضوع , ولكنه تمهيد للدخول في الموضوع بعد قليل .. إن ( السلوك .. الوعي الحضاري .. ونوع التعامل ) .. هو ما يميز شعبٍ عن شعبٍ وأمةٍ عن أمة .. وهو في ذات الوقت كلمةُ السر إما للتقدم أو التخلف ! .
2
ذات مرة – من بين مرات مشابهة – وعند إشارة المرور الحمراء ونحن متوقفون , جاء أحدهم من بعيد وتجاوزنا جميعاً نحن الواقفين , ليستقر أمام جميع السيارات – كما هو حال العشرات منا يوميا مع الأسف – ولحظتها حنقتُ منه – فتحركت لا شعورياً بسيارتي إليه .
3
قلت له : لو سمحت ! .. لماذا تتخطى كل الناس وتقف في مكان خاطئ مرورياً , ثم هو أيضا غير المكان الذي فيه ” دورك ” الذي يفترض ان تكون وراء السيارات ؟ …
نظر إليَّ الشاب باستخفاف , وقال – بغطرسة : ” ما هو – شغلك ؟ ” … ثم أغلق نافذة زجاج سيارته الفخمة , وراح يواصل ثرثرته بالهاتف الجوال , في سيارة مظللة بالكامل .. ( انظر كم مجموع مخالفاته في وقت واحد ؟ ) .. ليسجل مؤشراً صارخاً على حجم السلوك العام السلبي عند عدد ليس قليل منا .
4
قبل أيامٍ وصلتني هذه الرسالة بالإيميل .. يقول فحواها ( بتصرف ) ….
عندما وصلتُ إلى هامبورغ بألمانيا ، رتب زملائي الموجودون هناك جلسةَ ترحيبٍ لي في مطعم . وهناك لاحظنا أن كثيراً من الطاولات كانت فارغة , لكن على طاولة صغيرة بدا لنا زوجان شابان , ولم يكن أمامهما سوى طبقين وعلبتين من المشروبات . وتساءلت: إذا كانت تلك الوجبة البسيطة يمكن أن تكون رومانسية ، فماذا ستقول المرأة عن بخلِ ذلك الرجل .
وكان في المكان عددٌ قليلٌ من السيدات كبيرات السن .
5
نحن كنا جياعاً ، ولذلك طلب زميلنا – مُضيفنا – كمية كبيرة من الطعام , وبما أن المطعم كان هادئاً ، فقد وصل الطعام سريعاً , ولم نقض الكثير من الوقت في تناوله .
وعندما هممنا بالمغادرة ، كان هناك حوالي ثلث الطعام متبقياً في الأطباق . ولم نكد نصلُ إلى باب المطعم إلاّ وصوت ينادينا .. التفتنا فلاحظنا السيدات كبيرات السن يتحدثن عنا بانفعال مع مالك المطعم .. ثمّ تحدثت إلينا إحداهن ، وفهمنا أنهن شعرن بالاستياء لإضاعة الكثير من الطعام .! ..
قال زميلي : ” لقد دفعنا ثمن الطعام الذي طلبناه , فلماذا تتدخلن فيما لا يعنيكن ؟ ” .. إحدى السيدات نظرت إلينا بغضبٍ شديد . واتجهت نحو الهاتف , واستدعت أحدهم .
6
وبعد قليل وصل رجل في زي رسمي قدم لنا نفسه على أنه ” ضابط من مؤسسة التأمينات الاجتماعية ” .. ثم حررَ لنا مخالفة بقيمة 50 ماركاً !.
ذُهلنا والتزمنا الصمتَ جميعاً , وأخرج زميلنا الـ 50 ماركاً وقدمها مع الاعتذار إلى الموظف .
ثم قال الضابط بلهجة حازمة : ” اطلبوا كمية الطعام التي يمكنكم استهلاكها .. المالُ لكم لكن الموارد للمجتمع , هناك آخرون في العالم يواجهون نقص الموارد .. ليس لديكم سببٌ لهدر الموارد “!.
7
أحمرّت وجوهنا خجلاً .. ولكننا وافقناه الرأي .. وتذكرنا – كم في بلادنا من الأطعمة تقذفها مطاعمنا وبيوتنا وحفلاتنا إلى سلال القمامة يوميا ؟.. قام زميلنا بتصوير تذكرة المخالفة , وأعطى نسخة لكل واحدٍ منا كـ ” هدية تذكارية ” !.
جميعنا ألصق صورة المخالفة على الحائط , لتذكرنا دائماً بألا نسرف أبداً .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *