مروة نظير :
قبل اشهر تم الإعلان عن توحيد ثلاثة من كبرى المنظمات الإسلامية في روسيا، وهو ما تفاءل به كثيرون من المعنيين بشئون مسلمي الاتحاد الروسي، انطلاقاً من القناعة بأن هذه الخطوات الاندماجية تأتي استكمالا للجهود النهضوية الإسلامية التي بدأت تستعيد عافيتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. فيما يرى آخرون أن مثل هذا الاندماج يجب النظر في ضوء طبيعة العلاقة بين النظام السياسي في موسكو ومسلمي روسيا، والتي شهدت تحسنا محسوبا في السنوات الأخيرة لتحقيق أهداف محددة. في ضوء هذا التباين قد يكون من المفيد إلقاء الضوء على واقع المسلمين في روسيا في الوقت الحالي مع التركيز بشكل خاص على وضعية المنظمات الإسلامية، وأبعاد علاقة السلطة المركزية في موسكو بالمسلمين.
مسلمو روسيا.. حقائق وأرقام
تختلف تقديرات عدد مسلمي روسيا، حيث يقدرها البعض بنحو 25 مليون نسمة، فيما يقدرها آخرون بأنها لا تتجاوز 20 مليون نسمة، وبذلك فإن نسبتهم تتراوح ما بين 13% – 15% من إجمالي سكان الاتحاد الروسي.وبالإضافة إلى الأعداد القليلة للمسلمين في موسكو وبطرسبرج وسيبيريا، يتركز المسلمون في روسيا في منطقتين رئيسيتين:
منطقة الفولغا في قلب روسيا، وذلك في 6 جمهوريات (تترستان، وبشكيريا، وتشوفاش، وموردوفيا، وماري يل، وأودمورت)، إضافة إلى إقليم أورنبرغ.
منطقة القوقاز الشمالي، وتشمل 7 جمهوريات (داغستان، والشيشان، وإنجوشيا، وقبردين بلقاريا، وأوسيتيا الشمالية-ألانيا، وكارتشييف شركيسيا، والأديغة).
ويمكن القول إن ثقل المسلمين في روسيا لا يحدده عددهم فقط، فهم يشكلون أغلبية في 8 جمهوريات روسية؛ مما يمنحهم وضعا اقتصاديا وجغرافيا وجيو-سياسيا مميزا بفضل قربهم من منابع النفط والغاز (في الشيشان وتترستان) والمياه الدافئة (في داغستان وأديغيا).وهناك ما يشبه الإجماع على أن وضع المسلمين اليوم في روسيا أفضل مما كان عليه في زمن الاتحاد السوفييتي حيث دمرت غالبية المساجد والمدارس الإسلامية، ومع قدوم النظام الجديد في بداية التسعينات تحسنت أوضاع المسلمين وأسست مساجد وجمعيات إسلامية جديدة. وفي حين لم يتجاوز عدد المساجد في الحقبة السوفيتية 100 مسجد، وصل عددها حاليا إلى سبعة آلاف مسجد تقريباً، فضلا عن حوالي 100 مدرسة في المناطق المختلفة في روسيا الاتحادية تخرج الأئمة والدعاة.
تجدر الإشارة إلى أن هناك مجموعة من الخلافات البينية في الجسد الإسلامي في روسيا، تبرز ملامحها في العديد من الجوانب أو الأبعاد منها: اختلاف درجة التمسك بالهوية الإسلامية والانغماس في النشاط السياسي في البلاد. وعلى سبيل المثال يظهر الحس الديني بوضوح لدى مسلمي شمال القوقاز خاصة في الشيشان وداغستان وأنجوشيا التي تقع على أطراف روسيا بالقرب من آسيا الوسطى التي تموج بحركات إسلامية صاعدة –والقريبة من أفغانستان- والتي تعمل على إعادة الهوية الإسلامية لشعوب تلك المنطقة، بخلاف منطقة الفولغا والأورال التي يضعف في غالبية جمهورياتها الإسلامية الملامح الدينية، وترتبط في غالبها بالنشاط الرسمي للدولة لوقوعها في القلب الروسي بعيداً عن التأثير الإسلامي المجاور.
من ناحية أخرى تبرز مجموعة من المشكلات التي ترجع إلى التغيرات المرتبطة بالهجرة المكثفة لسكان القوقاز الشمالي إلى مناطق أخرى من روسيا، وقدوم عدد كبير من المهاجرين المسلمين القادمين مما يعرف بجمهوريات الدول المستقلة نحو روسيا؛ مما أدى لكثير من التجاذبات والجدال حول القضايا الفكرية والثقافية بين مختلف التيارات الإسلامية ونشوء صراع بين الأجيال، إذ يسعى الشبان المسلمون إلى تأسيس هيئات موازية لما هو موجود سابقا، الأمر الذي يستثير منافسيهم ويدفع البعض إلى وصفهم بالتطرف. وفي هذا السياق تتعاظم مشكلة عدم وجود مفتٍ واحد لروسيا الاتحادية، وهو ما يفسره البعض بأن البيئة والظروف المحيطة تتطلب أن يكون هناك أكثر من مفتٍ وأن تشكيل مجلس في الإدارة الدينية لمسلمي روسيا هو أفضل السبل للحوار وبالتالي إصدار الفتاوى والأحكام المناسبة.وعلى صعيد مغاير يعاني مسلمو روسيا من عدم وجود الأعداد الكافية من الكوادر الإسلامية المدربة من الدعاة والأئمة، حتى إن بعض المساجد لا يوجد فيها أئمة ولا يوجد معلمون لتعليم الأجيال الشابة أصول الدين والرسالة الإسلامية، وهذه المشكلة تعتبر قضية جوهرية، ومن آثارها السلبية أن عددا كبيرا من المساجد لا تُؤدَى فيها صلاة الجمعة مثلاً.
واقع المنظمات الإسلامية في روسيا
توجد في روسيا عدة منظمات للمسلمين بعضها له تاريخ قديم وبعضها الآخر تأسس حديثا. وتعتبر الإدارات الدينية للمسلمين التي استحدثت في عهد الإمبراطورة يكاترين الثانية في القرن الثامن عشر الهيئات القيادية للأمة الإسلامية في روسيا. وقد جرى تأسيس أولاها بمرسوم خاص من الإمبراطورة يكاترين مؤرخ في 22 سبتمبر 1788 بعنوان \"مجلس أوفا الديني وفق القانون المحمدي\". وجرى الاحتفال ببدء أعماله في 4 ديسمبر 1789. ومنذ ذلك الحين تتولى الإدارات الدينية في روسيا العديد من الأنشطة المتنوعة كالإشراف على المساجد وطباعة الكتب والمنشورات وإقامة الندوات والمحاضرات ومتابعة الأنشطة الإسلامية وأعمال الجمعيات الإسلامية وبرامج تعليمية ومخيمات إسلامية، كما لها تواصل كبير مع المنظمات والجهات الإسلامية العالمية المنتشرة هنا وهناك.وقد تلقت المنظمات الإسلامية دفعة مهمة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، ومن بين أهم مظاهر ذلك إنشاء المنظمات الإسلامية، ومن أبرزها مجلس المفتين في روسيا الذي أسس في يونيو عام 1996، وهو يوحد عددا من الإدارات الدينية للمسلمين وينسق نشاطاتها.كما توجد في روسيا ما يقارب 40 إدارة دينية للمسلمين أكثرها نفوذا (الإدارة الدينية لمسلمي الشطر الأوروبي من روسيا) الذي تم تسجيله من قبل وزارة العدل الروسية في فبراير عام 1994. ويتكون هيكل الإدارة الدينية لمسلمي الشطر الأوروبي في روسيا من: قسم دولي، وقسم لشئون العلوم والعلاقات مع المنظمات الاجتماعية، وقسم العلاقات مع المؤسسات الدينية الإقليمية وأجهزة الدولة في روسيا، ومصلحة قانونية لدار الفتوى في موسكو، ورابطة النساء المسلمات،
والمركز الإسلامي في موسكو ومقاطعاتها، وصندوق رعاية العلماء المسلمين.وتعمل في إطار الإدارة الدينية لمسلمي الشطر الأوروبي من روسيا دائرة للأعمال الخيرية، ويتبع هذه الإدارة أيضا مؤسسات تعليمية مثل مدرسة جامع موسكو، وكلية الدين الإسلامي العليا بموسكو، ومدرسة الإيمان. وتعتبر صحيفة \"منبر الإسلام\" الناطق الرسمي بلسان الإدارة الدينية والتي تصدر أيضا صحف \"الكلمة الجديدة\" و\"الأخبار الإسلامية\" (مع ملحق شهري \"نور الإسلام\") و\"نهج الإسلام\" و\"الإسلام والمجتمع\" و\"الصحيفة الإسلامية\" وغيرها. وتوجد بالإضافة إلى ذلك في القسم الناطق بالروسية على الإنترنت العديد من المواقع التعليمية الإعلامية المتخصصة.أما تترستان، فتعمل فيها إدارتان دينيتان: الأولي فرع الإدارة الدينية المركزية (في مدينة أوفا) والثانية الإدارة الدينية المستقلة لمسلمي جمهورية تترستان (تأسست في عام 1992). وتشمل نشاطاتهما إعداد الأئمة وتوزيعهم والمشاركة في إنشاء المساجد والاتصال مع المراكز الدينية الأخرى بما فيها الأجنبية وتنظيم رحلات الحج.
تجدر الإشارة إلى أن أنه وفق بعض الإحصائيات يقدر إجمالي عدد المنظمات والمؤسسات الإسلامية في روسيا 3186 منظمة منها 60 منظمة فيدرالية، و40 إدارة دينية و3070 منظمة محلية و51 مؤسسة للتعليم الديني و5 مؤسسات دينية.ويمكن القول إن الجهود الاندماجية بين المنظمات الإسلامية قد بدأت في التبلور في أعقاب انتهاء الحقبة السوفيتية، وظهر ذلك في مظاهر عدة؛ ففي عام 1992 تكللت جهود المسلمين في روسيا بإنشاء مركزية موحدة للإدارات الدينية والمنظمات والمراكز الإسلامية في جميع أنحاء روسيا، وأطلق على هذه المركزية الموحدة (مجلس التنسيق الأعلى للإدارات الدينية لمسلمي روسيا).
ومنذ ذلك التاريخ كان المجلس يقوم بدور توحيد جهود وتنسيق أنشطة المنظمات الإسلامية وجميع أنحاء روسيا الفيدرالية ورابطة الدول المستقلة ودول البلطيق إلى حين عقد المؤتمر التأسيسي للمجلس في عام 1994 حيث شارك فيه عدد كبير من المنظمات الاجتماعية والمهنية الإسلامية في روسيا، وفي أعقاب المؤتمر حصل المجلس على الاعتراف الحكومي والتسجيل الرسمي بموجب قرار وزارة العدل، ويهدف هذا المجلس إلى توحيد جهود المسلمين ومنظماتهم وتنسيق نشاطاتهم في روسيا.ويتشكل الهيكل الإداري للمجلس من: مجلس الشورى ومهمته رسم السياسيات العامة والأهداف العامة للمجلس، ويليه الرئاسة التنفيذية للمجلس وتتكون من ستة أقسام هي:ـ
1. الدعوة والإرشاد،
2. النشر والمناهج والتعليم،
3. العلاقات الخارجية،
4. الإعلام والصحافة،
5. العلاقات العامة والاجتماعية،
6. شئون الحج والعمرة.
أما أحدث حلقات النهج الاندماجي بين المنظمات الإسلامية في روسيا، فجاءت مع بدايات العام الحالي مع الإعلان عن توحيد ثلاثة من كبرى المنظمات الإسلامية في روسيا، وذلك تنفيذا لقرار اتخذه ممثلون عن ثلاث منظمات إسلامية في ديسمبر من العام 2009 حول توحيد المنظمات الإسلامية الكبرى في البلاد، كما تقرر تشكيل فريق عمل مشترك ولجنة توفيقية من أجل وضع الخطوات التالية على طريق الوحدة انطلاقا من القناعة بضرورة وجود هيكلية دينية واحدة للمسلمين في روسيا. ودخل في تشكيلة هاتين الهيئتين ممثلون عن المنظمات الإسلامية الثلاث، وهي:
• الإدارة الدينية المركزية للمسلمين،
• ومجلس المفتين في روسيا،
• ومركز التنسيق لمسلمي شمال القوقاز.
وتتجه جهود الاندماج بين مسلمي روسيا في الوقت الحالي إلى تجاوز الأطر التقليدية بحيث تشمل الفضاءات المختلفة لوجود المسلمين في روسيا ومنها الفضاء الإلكتروني؛ فمع نهاية شهر ديسمبر 2009 تم الإعلان عن إطلاق (الشبكة الاجتماعية الإسلامية)، التي تعد أول شبكة اجتماعية للمسلمين في روسيا على شبكة الإنترنت، وهدف هذه الشبكة هو توطيد وإقامة الاتصالات بين المسلمين عبر خدمات إقامة الصداقات، ونقل الصور، بالإضافة إلى الأسئلة الدينية، لكن الشرط الوحيد والهام أن تكون العلاقات في هذا الموقع تتجاوب مع تعاليم الإسلام وأخلاقه. وهناك متابعون على دراية بالتعاليم الأساسية للدين الإسلامي لكي يتطابق محتوى الاتصالات على الموقع مع الأخلاق الإسلامية.
باحثة في العلوم السياسية.