جدة

مقلب… لا يُنسى

م. نبيل صالح صابر
الكذب صفة مذمومة، لا تحبذها القيم والأخلاقيات التي غرسها فينا الدين الإسلامي الحنيف، وماتربينا عليه في مجتمعنا الجداوي داخل الأسرة ، والحواري، وصروحنا التعليمية.
تلقيت دعوة غداء بمناسبة زواج أخت أحد الزملاء عام ١٣٩١هـ، عندما كنا طلبة ثانوية في مدرستنا الغراء مدرسة الفلاح بجدة، وأيامها كنا ندرس يوم الخميس ونهاية الأسبوع فقط يوم الجمعة . وقُدمت الدعوة لعدد كبير من الزملاء وبعض المدرسين بكروت مطبوعة.
وكل واحد منا قال لأهله: إنه معزوم على الغداء يوم الخميس المذكور ، واجتمعنا ندبر مواصلات على الدبابات والسيارات القليلة المتوفرة تلك الأيام عند بعضنا!!.
وتوجهنا بعد الصرفة (انتهاء اليوم الدراسي ) إلى مكان الدعوة عند ملعب الصبان في حارة القريات … منطقة تعتبر بعيدة عن مدرستنا بحارة المظلوم.
وعند وصولنا إلى حي القريات بدأنا نبحث عن الموقع المحدد بجانب بيت السيد حبيب، كما ذُكر في كرت الدعوة….. لا وجدنا موقع الزواج …..ولا بيت السيد حبيب!!
وحيث لم يكن هناك جوالات ولا Location عن طريق قوقل!! . كنا نرى الزملاء وبعض المدرسين كلنا يبحث ويسأل بدون فائدة!! .
فجأة يظهر لنا زميلنا الداعي لغداء مناسبة الزواج على دبابه الهوندا الأحمر ملعلعا ” كل عام وأنتم بخير كذبة أبريل”!! و بدأ الجميع يلاحقه بين الأزقة وخشخات الحارة بدون فائدة تذكر . نعم فقد اختار بعناية اليوم المصادف للأول من شهر إبريل عام ١٩٧١م… يومًا للمقلب!!!.
بدلاً من العودة إلى بيوتنا حيث قد انتهى وقت الغداء….اتجهنا مجموعات إلى بعض المطاعم وأكبر مجموعة كانت عند محل” الفروج المشوي” بشارع الملك عبدالعزيز تحت عمارة الجفالي…. والكل يتوعد زميلنا الداعي بالويل والثبور وعظائم الأمور على مقلبه الذكي المؤلم…. والذي أصبح ذكرى لا تنسى!!
واضطر الداعي للغياب عن المدرسة لمدة أسبوع أو أكثر ….حتى تخف آثار المقلب… وكما أتذكر فلم يتمكن الداعي أن يبيت في بيتهم … راح يبات عند قرايبه…لأنه مازال متابعًا …. ومطلوب حيًا أوميتًا من قِبل من أكلوا المقلب!!
وعاد إلى المدرسة….وبكل الحب والرضا وقبول الدعابة … اُستقبل الداعي المذكور من قبل الزملاء بالملامة والفكاهة …. حيث سطر بها ذكرى ….. لاتنسى وقد مر عليها أكثر ٤٧ سنة ومازلنا نتداول ذكراها كل ما كان الوقت مناسبًا في اجتماعتنا القليلة !!. وعوتب من المدرسين ومرصت أذنه. ووعد وتعهد بعدم التكرار. وتخليدًا لذكرى المقلب سطر لعدد من زملائه ، خلف كرت الدعوة بخطة المميز كلمات اعتذار تدعم استمرار التسامح لدوام المحبة والصلة، بدون مقالب جديدة !!.
كذبة أبريل، عادة قديمة في بلدان كثيرة وأغلبها لمجتمعات غير مسلمة، إلا أن العادات تنتقل من مجتمع إلى آخر، ورغم أن المجتمعات الإسلامية تمتعض من الكذب بأنواعه ومناسباته ، بما فيها كذبة أبريل إلا أنها للأسف تتكرر!!.
لم أكتب المقلب تشجيعًا لما يسمونه “كذبة أبريل” بل للذكرى وتأكيدا لاستمرار تواصلنا ومتانة محبتنا، رغم مرور حوالي نصف قرن.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *