ملامح صبح

ما أجملك ياعبدالمجيد ..القارئ نص يتنفس الحياة والنص قارئ

وقفات جمالية
جنون عاقل

يكتب كأنه يرقص,ليس في ذلك أدنى قدر من المبالغة,كأنه يضحك ويبكي في آن,في غاية الفرح هو وفي غاية التوجع ,يأتيك في كيانيه المادي والروحي حيناً ,وبأحدهما حيناً آخر, وبدونهما آونة أخرى , فإن كان يمكن لأحد أن يكون كل هذه الأشياء مجتمعة فلن يكون غيره (عبدالمجيد الزهراني) فما النتيجة التي تترتب على ذلك , أتراه الجنون , إن كنت تراه كذلك , فقد أعفاك هو من مسئوولية هذا الوصف , ووسم قصائده بـ جنون ! تثور قصائده كعواصف كئيبة , وكأمطار باردة , وكحجارة تتحدر من عل , وكرمال سهلة متحركة , نسمات عليلة , رياح سموم لافحة , لحظة مفاجئة أو متوقعة , وكمزيج حلم وواقع …

وككل شيء يخطر أو لا يخطر ببالك ! ومهما يكن الأمر فهو في بحث دائم , دائب , عن شيء ما , لا يكاد يمسك به ويستحوذ عليه , إلا وتستبد به الرغبة , ويستأنف البحث من جديد , وبفرح وتلقائية وعفوية واندفاع لا تعرف التراجع إلى الوراء , أو الإذعان لجدار أو عائق , وربما كان سعيدأ بالأحرى بهذا , منطلقاً من رغبة وتوق للرد على التحدي بتحد آخر,ولاحاجة لك بأن تتوقع كيف ومتى اجتاز هذا العائق أو ذاك , فكل نص من نصوصه هو في حقيقته نتاج معركة,أو جولة , خاضها في غمار التجريب,وانتصر فيها ببسالة.

قد تتساءل كيف يجد الوقت ليعيش,ليضحك, ليبكي , ليعزف , ليغني , ليكتب , هنا لاشيء جزئي , كل شيء ذائب وممتزج في كل شيء , ليس هناك حياة خاصة وأخرى إبداعية , وبتلك الكيفية يصبح الحديث العادي والتفاصيل اليومية شعراً , كما يصبح الشعر مذكرات يومية , أو هو الواقع الذي مر بعين المبدع , واصطبغ بمناخه وتلبس بإشعاعه وارتدى أحلامه وتهندم ..ثم جاءك يسعى .
غلة قمح سمحنا لرياح النسيان أن تبعثر سكونها !
(جنون)
هنا وهناك..
تحس إنك ولاغيرك غدى منفاك
تتذكر
يفيض الريش من عينك
وتتسوسن
كأنك في مهبّ السالفة:
غصنٍ تطاول في الغنا
ودك تسيل من أخضرك
أو تلبس العاري من الألفاظ
تتمرّا
تصير لداخلك:برّا

نصوص كثيرة وغزيرة , أحدها هذا النص , لا نقرؤها مراراً بما فيه الكفاية , فتغادرنا منطوية بكبرياء , وتستقر في بئر عميقة,وتتركنا بعطشنا الممض,وتلك نتيجة مباشرة لللا مبالاة التي ننعم بها,فقد أفزعناها وهي لا تنجذب لنا إلا بحذر وترفع,تاركة إيانا نذوي شيئاً فشيئاً , وبإرادتنا نحتنق,ومع ذلك فهي لا تكف تذكرنا بأنها كانت دوماً هناك , كغلة قمح سمحنا لرياح النسيان أن تبعثر سكونها , وتسرقها منا. وعند لحظة ما ..تتلفت (هنا وهناك . تحس انك ولا غيرك غدى منفاك)عليك أن تبقى جائعاً دوماً , تتلوى, لكي يختارك , مستحقاً , مهماً , أهمية النص ذاته , وينقل ذاكرتك من كونها دولاب ملفات مهملة,لحياة متحركة عاملة,قادرة على ترتيب الأشياء والتفاعل معها والتصرف فيها,وفق كل ما تملكه من وعي أو لا وعي,حين تقرر ذلك وتؤمن به , فستكتشف بأنك اصبحت في وضع الاستعداد , لتناول حصتك المفترضة , وأن بذور النص بدأت تتبرعم فيك و(يفيض الريش من عينك وتتسوسن) وفي ذروة تشابككما معاً , تصبحان الرمز والإشارة والدال والمدلول وكل شيء , القارئ نص يتنفس الحياة ويعيشها والنص قارئ يتتبعها ويترجمها , فلا فرق ,الى ان تصير أنت مغنياً ويصير هو عازفاً والكون كله راقصاً مبتهجاً
(كأنك في مهب السالفة :

غصن تطاول في الغنا ,
ودك تسيل من اخضرك ,
أو تلبس العاري
من الألفاظ .. تتمرا ..
تصير لداخلك : برا)
تخيل نفسك وأنت تتفرج على هذا المشهد , إن باستطاعتك أن تتجرد من كل لباس وتصبح عارياً كالحقيقة , ناصعاً كالشمس , غير محكوم بأي تصرف , أو مقيد بالقواعد التي تسير حياتك العادية , فالفن له واقعه وقواعده , ولكل نص عالمه , تعرف عليه , ولا تنتظر منه أن يقوم بذلك نيابة عنك ! كنت أحدث نفسي طبعاً , وأتمرا , وإذا بي أصير لداخلي برا .. ما أجملك ياعبدالمجيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *