الأرشيف المؤتمر العالمي للحوار

ليكن حوارنا مناصرة للإيمان في وجه الإلحاد والفضيلة في مــــواجــــــــهة الرذيلة والعدالة في مواجهة الظلم والسلام في مواجهة الصراعات والبشرية في مواجهة العنصرية

مدريد – واس
رعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله امس بحضور جلالة الملك خوان كارلوس ملك مملكة أسبانيا حفل افتتاح أعمال المؤتمر العالمي للحوار الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي على مدى ثلاثة أيام وتستضيفه مملكة أسبانيا في العاصمة مدريد .
ويشارك في المؤتمر المعنيون بالحوار من مختلف أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات المعتبرة وذلك استجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين أيده الله للحوار .
وفور وصول الملك المفدى إلى مقر الحفل بقصر الباردو كان في استقباله جلالة الملك خوان كارلوس الأول ومعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي .
ثم صافح خادم الحرمين الشريفين دولة رئيس وزراء أسبانيا خوسيه لويس ثاباتيرو ومعالي وزير الخارجية ميغيل انخيل موراتينوس .
وفي بداية الحفل ألقى خادم الحرمين الشريفين الكلمة التالية ..
بسم الله الرحمن الرحيم ..
والحمد لله القائل في محكم كتابه : \" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم \" .
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى كافة الأنبياء والمرسلين .
جلالة الصديق الملك خوان كارلوس ملك أسبانيا :
أيها الأصدقاء الكرام :
أحييكم وأشكر لكم تلبية دعوتنا هذه للحوار وأقدر لكم ما تبذلونه من جهد في خدمة الإنسانية ، متوجها بالامتنان العميق لصديقنا جلال الملك خوان كارلوس ، ومملكة أسبانيا وشعبها
الصديق ، على الترحيب بعقد هذا المؤتمر على أرضهم التي حملت ميراثا تاريخيا وحضاريا بين أتباع الديانات ، وشهدت تعايشا بين البشر على اختلاف أجناسهم وأديانهم وثقافاتهم وشاركت مع بقية
الحضارات الأخرى في تطور الحياة الإنسانية .
أيها الأصدقاء :
جئتكم من مهوى قلوب المسلمين ، من بلاد الحرمين الشريفين حاملا معي رسالة من الأمة الإسلامية ، ممثلة في علمائها ومفكريها الذين اجتمعوا مؤخرا في رحاب بيت الله الحرام ، رسالة تعلن
أن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية والتسامح ، رسالة تدعو إلى الحوار البناء بين أتباع الأديان ، رسالة تبشر الإنسانية بفتح صفحة جديدة يحل فيها الوئام بإذن الله محل الصراع .
أيها الأصدقاء :
إننا جميعا نؤمن برب واحد ، بعث الرسل لخير البشرية في الدنيا والآخرة واقتضت حكمته سبحانه أن يختلف الناس في أديانهم ، ولو شاء لجمع البشر على دين واحد ، ونحن نجتمع اليوم لنؤكد أن
الأديان التي أرادها الله لإسعاد البشر يجب أن تكون وسيلة لسعادتهم .
لذلك علينا أن نعلن للعالم أن الاختلاف لا ينبغي أن يؤدي إلى النزاع والصراع ، ونقول إن المآسي التي مرت في تاريخ البشر لم تكن بسبب الأديان ، ولكن بسبب التطرف الذي ابتلي به بعض أتباع
كل دين سماوي ، وكل عقيدة سياسية .
إن البشرية اليوم تعاني من ضياع القيم وإلتباس المفاهيم ، وتمر بفترة حرجة تشهد بالرغم من كل التقدم العلمي تفشي الجرائم ، وتنامي الإرهاب وتفكك الأسرة ، وانتهاك المخدرات لعقول
الشباب ، واستغلال الأقوياء للفقراء | ، والنزعات العنصرية البغيضة ، وهذه كلها نتائج للفراغ الروحي الذي يعاني منه الناس بعد أن نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، ولا مخرج لنا إلا بالالتقاء على
كلمة سواء ، عبر الحوار بين الأديان والحضارات .
أيها الأصدقاء :
لقد فشلت معظم الحوارات في الماضي لأنها تحولت إلى تراشق يركز على الفوارق ويضخمها ، وهذا مجهود عقيم يزيد التوترات ولا يخفف من حدتها ، أو لأنها حاولت صهر الأديان والمذاهب بحجة
التقريب بينها وهذا بدوره مجهود عقيم فأصحاب كل دين مقتنعون بعقيدتهم ولا يقبلون عنها بديلا ، وإذا كنا نريد لهذا اللقاء التاريخي أن ينجح فلا بد أن نتوجه إلى القواسم المشتركة التي تجمع
بيننا ، وهي الإيمان العميق بالله والمبادئ النبيلة والأخلاق العالية التي تمثل جوهر الديانات .
أيها الأصدقاء :
إن الإنسان قد يكون سبباً في تدمير هذا الكوكب بكل مافيه ، وهو قادر أيضاً على جعله واحة سلام وأطمئنان يتعايش فيه أتباع الأديان والمذاهب والفلسفات ، ويتعاون الناس فيه مع بعضهم
بعضاً باحترام ، ويواجهون المشاكل بالحوار لا بالعنف .
إن هذا الإنسان قادر بعون الله على أن يهزم الكراهية بالمحبة ، والتعصب بالتسامح ، وأن يجعل جميع البشر يتمتعون بالكرامة التي هي تكريم من الرب – جعل شأنه – لبني آدم أجمعين .
أيها الأصدقاء :
ليكن حوارنا مناصرة للإيمان في وجه الإلحاد ، والفضيلة في مواجهة الرذيلة ، والعدالة في مواجهة الظلم ، والسلام في مواجهة الصراعات والحروب ، والأخوة البشرية في مواجهة العنصرية .
هذا وبالله بدأنا ، وبه نستعين . ولكم مني خالص التحية والتقدير .
شكرًاً لكم والسلام عليكم .
ثم ألقى الملك خوان كارلوس الأول كلمة رحب فيها بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود مثمنا الزيارة التي قام بها أيده الله لمملكة أسبانيا العام الماضي .
وقال إننا نعلم يا خادم الحرمين الشريفين الأهمية التي تولونها لهذا المؤتمر الذي نأمل له نجاحا كبيرا .
وأضاف إن أسبانيا لديها معرفة كبيرة وثرية لهذا المفترق من الطرق والثقافات والديانات ، إنها بلد بنى ديقراطيته على التسامح والتعايش والاحترام المتبادل .
وأشار إلى دعم أسبانيا الدائم والمستمر لمسيرة السلام في الشرق الأوسط ولمسيرة الحوار في البحر الأبيض المتوسط .
وأكد جلالته أن أسبانيا من الداعمين للتعمق في شئون السلام والحوار والتعاون على الصعيد الدولي .
وأعرب عن أمله في أن يدعم المؤتمر العالمي للحوار احترام الهويات والمعتقدات القيم والأخلاق التي تمثل القواسم المشتركة بين الأديان السماوية والثقافات والحضارات المختلفة ويؤدي إلى التفاهم
المتبادل والتعايش السلمي بين البشر متمنيا عالما يسوده السلام والعدل والإنصاف ويسمح للأجيال الحاضرة والمستقبلية في أن تنمو في عز وكرامة .
وأكد ملك أسبانيا ضرورة بذل الجهود من أجل القضاء على الجوع والفقر في شتى أنحاء العالم وأن يحافظ الإنسان على البيئة .
وفي ختام كلمته أعاد الترحيب بصديقه العزيز خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز متمنيا النجاح الكبير لهذا المؤتمر .
اثر ذلك ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالحسن التركي كلمة رفع فيها جزيل الشكر لخادم الحرمين الشريفين ، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود على
رعايته لهذا المؤتمر العالمي ، و افتتاحه له وعلى حرصه الشديد والمتتابع على تعزيز نهج الحوار الهادف ، وذلك انطلاقا من رؤيته الثاقبة لما تعانيه البشرية من مشكلات ، وقناعته التامة بوجود فرص
عظيمة بين البشر على اختلاف أديانهم وثقافاتهم يجب استثمارها فيما يصلح شأن الإنسان في كل زمان ومكان .
وأوضح أن هذا المؤتمر يأتي في إطار دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الحوار بين مختلف الفئات الدينية والثقافية والحضارية وقادة الفكر الإنساني .
وأكد معاليه أن هذه الدعوة تعبر عن رغبة عميقة وصادقة في حسن التعايش والتعاون بين أمم العالم وشعوبه حضاراته , تتبناها قيادة المملكة العربية السعودية وتنتهجها في سياستها الداخلية
والخارجية ، وهو دليل على أن الخلفية الثقافية والحضارية التي تنطلق منها المملكة تتسم بالانفتاح والمرونة وحب الخير للبشرية جمعاء .
وأعرب الدكتور التركي عن شكره لجلالة الملك خوان كارلوس ملك أسبانيا وللحكومة الأسبانية ورئيس وزرائها خوسيه لويس رودريغيز على إتاحة الفرصة لعقد هذا المؤتمر على أرض أسبانيا , التي
شهدت تعايشا و تعاونا بين أتباع الديانات و الثقافات ، أسهم في الحضارة الإنسانية .
ورحب بجميع المشاركين في المؤتمر من مختلف القيادات الدينية و الفكرية و الإعلامية وقال إن مجرد عقد هذا اللقاء يعد نجاحا وانتصارا لصوت الاعتدال والسلام في العالم ، وخطوة إيجابية
على طريق التعاون في خدمة الأسرة الإنسانية وإن الناس وإن اختلفوا في الدين أو المنطلقات الفكرية والحضارية ، فإن القيم النبيلة من العدل والخير والفضيلة ، التي ترتكز في الجذور الإنسانية
الفطرية وتؤكدها أصول الرسالات الإلهية ، تبقى على الدوام أصلا مشتركا ثابتا وإطارا جامعا تنبع منه الأفكار النيِّرة الوضاءة والأطروحات الرشيدة البناءة ، في معالجة القضايا المشتركة للمجتمع البشري .
وبين معاليه أن الحوار يعتبر من أفضل الوسائل لنقلها وتوسيع نطاق التفاهم عليها ، لأنه يعتمد على مخاطبة الكيان الفطري والعقلي ، فتستجيب له القلوب والعقول وإن المؤتمر الإسلامي
العالمي للحوار الذي عقد مؤخرا في مكة المكرمة يعتبر خطوة إسلامية جامعة في التجاوب مع هذه الدعوة الكريمة ، وهو مؤتمر إسلامي عالمي حضره عدد كبير من الشخصيات الإسلامية اتفقت
على أسس وآليات تكفل النجاح للحوار .
وأفاد أن رابطة العالم الإسلامي وضعت في أولويات أعمالها الثقافية والإعلامية الاهتمام بقضايا الحوار ، وسبل تعزيزه في مواجهة أطروحة حتمية الصدام بين الحضارات مبينا إن من أهم أهداف
الحوار التباحث في سبل مواجهة الترويج للفوضى والانحلال في الأخلاق والتفكك الأسري ، إلى حد مشاكسة الفطرة وتجاهل الفروق التكوينية بين الجنسين .
وأكد معالي أمين عام الرابطة إن اللقاءات المباشرة بين القيادات الدينية والفكرية والفلسفية في العالم مناسبة ثمينة لإشاعة أجواء التفاهم وتصحيح المعلومات المغلوطة ، والتقليل من
أسباب التوتر والتطرف في الأحكام والمواقف والرؤى .
وقال إن الإسلام ينظر إلى أفراد الجنس البشري نظرة مساواة باعتبار أن أصلهم واحد فاختلاف أعراقهم وألوانهم ولغاتهم وأوطانهم لا يقتضي أي تفاوت بينهم في أصل التكريم والقيمة
الإنسانية . ورأى معاليه إن من مقومات الحضارة الإسلامية الانفتاح على الآخرين ، والتكامل معهم ويشهد لهذه الحقيقة تعدد الأقليات الدينية والاثنية في العالم الإسلامي على مر التاريخ ، ورعاية
حقوقها كافة ومحافظتها على خصائصها ، وعلى تراثها الديني ، وعلى ثقافتها الخاصة بها وذلك يعود إلى سماحة الإسلام وإلى جوهر الشريعة الإسلامية التي يستمد منها المسلمون نهجهم
وثقافتهم وحضارتهم .
وأوضح معالي الدكتور التركي إن الحوار آلية من أهم الآليات في التفاعل مع الوجود بأكمله ، أخذا وعطاء من غير إكراه ولا قهر ، ضمن سنتي التنوع والتدافع من أجل تحقيق التوازن الكوني وإن
الانتقال بالحوار من مجرد كونه لقاءات ومحادثات إلى أن يكون تواصلا إيجابيا ، يفضي إلى نتائج ملموسة تغير من واقع الحياة إلى الأفضل إحسانا وإتقانا وتجويدا يقتضي يرتكز على دائرة المبادئ الدينية
: فيما يعزز الإيمان بالله تعالى الواحد والدافع إلى الإحسان إلى الناس ، وكف الأذى عنهم ودائرة القيم الإنسانية : بتنمية فضائل الأخلاق ، التي تقوي في النفس نوازع الخير ، وتكبح بواعث الشر ودائرة المصالح المتبادلة : التي تهم الناس جمعيا ، وتحسن من ظروف حياتهم على الأرض ، وتقيهم ما في المدنية المعاصرة من سوءات وشرور سببها عدم التوازن الذي يسم بعض جوانبها .
وأبان إن مما يعوق الحوار قلة التفاهم بين المتحاورين وسوء الظن المتبادل ونبش قبور التاريخ المليء بالصراعات الأليمة ولذا يجب على الأطراف المتحاورة التجرد لوجه الحق ، والإنصاف مع النفس ومع
الآخر ، وتجاوز التاريخ المسيء ، واستحضار النية الصادقة في الوصول إلى أرضية مشتركة تنفع الناس وتمكث في الأرض ولا بد أن نراجع جميعا مسار الحوار الذي بدأ منذ عقود من الزمان فنرصد
إيجابياته ، وننميها ونزيد منها ، ونرصد سلبياته ، ونصلحها ونأخذ بما هو أرشد وأهدى سبيلا . ودعا الدكتور التركي مختلف القيادات الدينية والحضارية والثقافية العالمية وغيرها من محبي الخير
للأسرة الإنسانية ، للتحاور حوارا مثمرا ،تتوفر فيه شروط النجاح ، من الجدية وصدق الرغبة في التعاون على برامج ومشاريع مشتركة ، تسهم في إسعاد الإنسان ومعالجة المشكلات التي تؤرقه ،
وتخفف أسباب التوتر بين فئاته ، كالظلم والعدوان ومصادرة حقوق الشعوب في العيش الحر الكريم .
وعبر عن أمله في أن يتحول هذا الجهد المشكور والنافع إلى مشاريع عمل تستثمر في مسيرة الحوار العملي وتوظف للخير ونفع بني البشر ، وتتبناها الجهة المنظمة للمؤتمر وتتابع تنفيذها ،
وبخاصة أنه يحظى بعناية متميزة من خادم الحرمين الشريفين ، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ، الحريص على الخير وسعادة الإنسان مؤكدا أن الأمانة العام لرابطة العالم الإسلامي سوف
تعمل ـ بإذن الله تعالى ـ على بلورة هذه الجهود المباركة في عمل مؤسسي طموح .
وعبر في ختام كلمته عن شكرهً لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية على اهتمامه و متابعته و تعاون مسؤولي الوزارة و سفارات المملكة و لصاحب السمو الملكي الأمير
سعود بن نايف سفير المملكة في أسبانيا على تعاونه و اهتمامه و لأصحاب المعالي وزير الثقافة الإعلام و رئيس الديوان الملكي و رئيس المراسم الملكية و رئيس الشؤون الخاصة و المدير العام للخطوط
السعودية و مسؤوليهم على تعاون الجميع و لرئيس المركز الإسلامي في مدريد الدكتور إبراهيم الزيد وللإعلاميين الذين تابعو هذا المؤتمر الكبير والمهم .
ثم تشرف أعضاء الوفد الرسمي المرافق لخادم الحرمين الشريفين وأعضاء الحكومة الأسبانية والمشاركون في أعمال المؤتمر بالسلام على خادم الحرمين الشريفين وجلالة ملك أسبانيا .
بعد ذلك أقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود مأدبة غداء بهذه المناسبة حضرها جلالة الملك خوان كارلوس الأول كما حضر الحفل والمأدبة دولة رئيس وزراء أسبانيا
وأعضاء الوفد الرسمي المرافق لخادم الحرمين الشريفين وأعضاء الحكومة الأسبانية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *