دولية

قطر في عام على المقاطعة .. إعلام مضلل وسيكولوجية تنهار

جدة ــ وكالات

حلقة لا تنتهي من التعليمات التي يصدرها النظام القطري، فتتلقاها شبكات ومليشيات إعلامه الداخلية والخارجية، لتتناوب عليها طوال فترة محددة قبل صدور تعليمات جديدة، فيغرق فيها الإعلام القطري حتى باتت جميع المقالات والتحليلات والبرامج التلفزيونية وحتى السوشيال ميديا، متشابهة باهتة تكرر نفس المصطلحات والشعارات الجوفاء.

الأزمة القطرية يعرفها الإعلام الدولي المحايد بأنها نتاج لكسر الدوحة ثقة جيرانها في منطقة الخليج العربي، ولإصرارها على دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار وتجديد أدواتها في ذلك.
وبناء على ذلك، يصف هذا الإعلام قرار الرباعي قطع علاقاته مع الدوحة بـ”المقاطعة العربية”، وهو ما تدعيه قطر “حصارا” مع كل ما يحمله هذا المصطلح من شحنة عدوانية وظلم وتعد على الآخر.

توصيف يشكل نواة السياسة الإعلامية القطرية، وتتشارك فيه جميع وسائل الإعلام بهذا البلد، حتى أن مطلعين على الشأن الداخلي يقولون إن أي سهو في استخدام هذا المصطلح يعرض صاحبه للتوبيخ إن لم يكن أكثر من ذلك.

أما بقية الأذرع، فتقوم على حملات إعلامية متواترة، تأخذ بعين الاعتبار جميع ما تكتبه الصحافة في دول المقاطعة، للرد عليها بشكل فوري سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
غير أن المبالغة في التركيز على هذا الجانب، وجعله محور السياسة الإعلامية الحكومية، كشف بوضوح الارتباك الحاصل في عمق النظام، والزلزال الذي أثارته المقاطعة في بلد تعرى ضعف بناه التحتية في الكثير من المجالات.

مبالغة قابلها تجاهل شبه تام من قبل الإعلام الإقليمي والدولي، وهو ما أحبط الدوحة ودفعها إلى محاولة القفز إلى الواجهة بين الحين والآخر، لاستعادة أضواء يبدو أنها انحسرت إلى الأبد عن ملف تجاوزته الأحداث، وأغرقه الملل جراء تعنت طال أمده.

تقارير إعلامية دولية تناولت كيفية إدارة الدوحة لأزمتها على الصعيد الإعلامي، مشيرة إلى أن هذا البلد جند وسائل الإعلام في عدة دول، عبر دفع الرشاوى والتمويلات.
وفي كل وسيلة إعلامية، تخصص غرفة عمليات لفبركة الأخبار على المقاس، وتصوير الريبورتاجات، وتمثيل مشاهد تضمن في أشرطة وثائقية، وتسجيل شهادات للرأي العام مدفوعة الثمن وغيره من الممارسات اللاأخلاقية.

استثمارات ضخمة خصصتها الدوحة لتلميع صورتها وتشويه صورة دول المقاطعة، وكلما نفذت أفكارها، تقوم بتحريك أحد بيادقها في أي ركن من العالم، أو تصدر قرارا لافتا، مثل لائحة إرهابها الصادرة في مارس الماضي، أو القرار الأخير بسحب البضائع والسلع المستوردة من السوق القطرية.

فالقرار الأخير بدا من الواضح أنه يأتي ضمن استعدادات الدوحة للاحتفال بعام من وهم “الصمود” في مواجهة ما تدعيه وفي إطار صورة مغلوطة تريد تسويقها للرأي العام المحلي والدولي، في وقت تئن فيه جميع المؤشرات الاقتصادية تحت ثقل مقاطعة قد تطول وقد تجبر الدوحة على أسوأ الحلول بالنسبة إليها.

نهاية الأسبوع الماضي، غرد مكتب الاتصال الحكومي القطري بهاشتاغ «قطر – تمضي – قدمًا»، في رسالة مركزية تزعم بأن البلاد لا تشكو من أي ارتدادات للمقاطعة، وأنها تجاوزت العام الأول بأمان، وهو العنوان الذي تكرر مؤخرا، في معظم الصحف القطرية المحلية وفي الأبواق التابعة لها في الخارج.

وكما جرى تزييف جميع المفاهيم المتعلقة بحقيقة موقف دول المقاطعة، فقد كان من البديهي أن تأتي تقييمات حساب ختام العام الأول من المقاطعة خاليا من المصداقية، محشوا بكم لافت من المغالطات والتزييف والتزوير.

حساب أسقط عمدا تكاليف كثيرة تكبدها النظام القطري في مواجهة عزلته الإقليمية، ولشراء الذمم والمواقف لتلميع صورته دوليا، وهو المعروف بسخائه في تجديد أدواته، ودفع الملايين من أجل تصدير صورة إعلامية على المقاس.
غابت الحقائق عن حصيلة الدوحة لعامها الأول من المقاطعة، لكن ما غيبته الأخيرة استحضره الإعلام المحايد حول العالم، ليقدم كشف حساب فضح تزييفا بات من شعارات إعلام الدوحة مدفوع الثمن.

علاوة على تكاليف الأزمة القطرية، هناك خسائر نوعية طالت النظام في هذا البلد، وقد تكون أشد كلفة ووطأة من مليارات الدولارات التي تكبدها في عام من المقاطعة.
جانب قد لا يخطر بأذهان الكثيرين غير أنه من الصعب أن يغيبه علماء الاجتماع، ويشمل بالأساس جانبين مهمين، أولهما سيكولوجية النظام القطري، وثانيهما عقده تجاه السعودية والإمارات.
نظام الحمدين وجد نفسه فجأة معزولا ومنبوذا، جراء سياساته التخريبية، وهو الذي كان يصول ويجول، ويقارع هذا البلد، ويتبجح على الآخر، ولم يكن يعتقد أبدا أن نهاية صبر جيرانه عليه ستكون بهذا الحسم.

والدوحة التي كانت تصدر لشعبها وللعالم بأسره صورة واهمة عن القوة الناعمة” القادرة على لعب دور الوسيط في فض النزاعات وتقريب وجهات النطر، استيقظت فجأة على دوي قرار زلزل الأرض تحت قدميها.

فقرار المقاطعة، واستنادا طيلة العام، لم يرج النظام من الداخل فقط، وإنما أنهى عامه الأول بسقوط نظرية «القوة الناعمة»، هذا الوهم الذي باعه للأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني مستشاروه الجدد عقب انقلابه على والده أواسط تسعينيات القرن الماضي.

وفي تلك الفترة أيضا، أنشئت قناة الجزيرة لتكون ذراعا سياسية مكلفة بتوجيه الرأي العام عبر فبركة الأخبار والتقارير، وتقود الجناح الإعلامي لاستراتيجية النظام القائمة على إعادة تقسيم المنطقة، بشكل يضمن لها نفوذا أكبر فيها، وهي الدولة الصغيرة التي لا ثقل لها في التوازنات الإقليمية.

لكن المقاطعة العربية لقطر قبل عام، كشفت عجز وهشاشة ما كانت تسميه الدوحة بـ “القوة الناعمة” ، ليتضح أن الأخيرة لا تستند إلى أي شرعية أو ديمقراطية أو ثقافة داخلية، وإنما كانت مصطنعة ومموهة.

قوة واهمة استثمرتها قطر في الإرهاب والقوة الخشنة، مموّلة بفائض من أرصدة مشبوهة غير خاضعة لأي نوع من المراقبة، ولذلك، فإن سقوط كل ذلك “المجد” كان لابد وأن يحدث شرخا في سيكولوجية النظام.

عام بأكمله انقضى منذ أن قررت الدول العربية مقاطعة قطر، وكان يمكن للأخيرة أن تستفيد من هذا الانسياب الزمني السريع للقيام بمراجعات داخلية من شأنها أن تفتح أمام أزمتها أبواب الانفراج.
غير أن مرور العام لم يغير شيئا في موقف الدوحة، بل زادها تعنتا وعنادا، في مسار لا يبدو غريبا بالنسبة لبلد تكبله منذ عقود، عقدة النقص والفقر السياسي تجاه السعودية والإمارات بشكل خاص.

فرغم أن العزلة أتت على جميع المؤشرات القطرية، وبانت على النظام علامات وهن يجاهد من أجل إخفائه، إلا أن المكابرة قادت الدوحة نحو الضفة الأخرى والخيار الأكثر تصادما مع محيطها وواقعها.
وبعكس جميع التوقعات، قفزت قطر على جميع المسلمات، وتجاهلت الترتيب الهرمي الذي تفرضه موازين القوى وغيرها من العوامل، مسكونة بوهم انتزاع الدور في قيادة الأمة العربية.
وهمٌ جعلها تتخلى عن خيارات شعبها، وتزج بنفسها في أزمة تغرق فيها حتى النخاع، ومع ذلك يصور لها الطابور الخامس من العلماء والمفكرين والإعلاميين، أنها صامدة وقادرة على زغزعة المملكة وبقية دول المقاطعة، حتى وإن اقتضى ذلك تشويه واقع الأمة العربية والإساءة لرموزها ومقدساتها

مقابل كل تلك الضوضاء التي تهز الإمارة الصغيرة، تتراءى الرؤية الخليجية للعام الأول من المقاطعة، هادئة رصينة وخالية من التصعيد المجاني.

رؤية متوازنة عبّر عنها وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، بالقول عبر تويتر: “لعل مرور سنة على المقاطعة سينتج فكرًا جديدًا ومقاربة أكثر حكمة في الدوحة”.
واعتبر قرقاش أن “المخرج لن يكون عبر شركات العلاقات العامة والمناكفات الإقليمية والتدخل الخارجي لحل الأزمة، بل مراجعة وتراجع عن سياسات سببت الضرر وساهمت في دعم التطرف والإرهاب”.

كما لفت إلى أن “قطر لم تتعامل بحكمة مع إجراءات مقاطعتها وسعت إلى تحركات أججت أزمتها ولَم تفكّها، عدم الإقرار بإضرارها لجيرانها وإدعاء المظلومية وشراء الدعم وانتظار المخلّص استراتيجية أثبتت فشلها، ودروس السنة الماضية لعلها تنفع في تغيير التوجه.”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *