ملامح صبح

فتنة الحفل أنموذجاً.. التقنية السينمائية في قصيدة فهد عافت

رؤية – صالح الصخري

ترتكز قصيدة فهد عافت على الدلالة ضمن نطاق السيموطيقيا أو نظرية العلامات ،وهي عصية على التقييد والتحديد لامتلاكها الكثافة الدلالية التي تجعلها تصل إلى ذهن المتلقي من خلال الكلمات التي يقرؤها بلغةٍ مفتوحة الأفق,لتصنع مساحةً تجعل القارئ يصبح مخرجاً سينيمائياً.

وقصيدة (فتنة الحفل) لفهد عافت كأنها فيلم سينيمائي لتوافر الصور والتقنيات السينمائية والدرامية ،والتي بدورها تدعّم وتسهم في تعزيز البنية البصرية في القصيدة ،ولعل عافت يتفق مع مقولة جيرالد برنس أن الدراما هي:

(التقديم المشهدي للكلام والفكر والسلوك) 1ولكن الفارق أن السينمائي أو الدرامي يلغي خيال المشاهد(المتلقي) في خلق الصور،بينما الشاعر يُعمل ذهن وخيال القارئ اعتماداً على رؤيته.
فتنة الحفل زيدي مشيتك بختره
كل خطوه بروق وكل لفحه صهيل
باقي بين عقلي والجنون شعره
اقطعيها ياشينه عاشقٍ مو هبيل
خلي الارض تاخذ شكل غير الكره
خلي النار تاخذ رمز غير الفتيل
من غدى الليل شعرك قلت انا بسهره
ومن غدى الصبح وجهك قلت مالي مقيل
ارقصي بين حد الذنب والمغفره
ارحلي في سكونك واسكني في الرحيل
ارجفي كنك الماء فززته احجره
واثبتي كنك الفضه بعين البخيل
وانحني مثل غصنٍ في طرفه ثمره
واوقفي مثل فزعات بدويٍ اصيل
والفحي علمينا كيف تقدر مره
تزرع الليل صبح ، وتزرع الصبح ليل

تتحرك الكاميرا الشعرية في هذه القصيدة بمشهدٍ تجميعي وتتابعي (حركي) في المكان (الحفل) وهو المرتكز الرئيس الذي يعتمد عليه النص ،وبما أن (السينما هي فن المكان) 2 كما يقول مورس شرر فإن فهد عافت يضع المحسوسات أمامنا مبرزاً طبيعة المكان والزمان التي يتم فيه هذا المشهد ،للإيحاء بما يتكئ عليه من رؤى ودلالات نفسية معتمداً على حركة هذين العنصرين في آنٍ معاً.

ترمز أفعال الأمر بوصفها عنصراً طاغياً في المشهد الشعري بشكل كامل إلى حالة الحب والتعلق في المحبوبة (فتنة الحفل).(زيدي مشيتك ،اقطعيها، خلي الأرض،خلي النار،ارقصي، ارحلي،اسكني،ارجعي،اثبتي،انحني،اوقفي،الفحي).ولم يقصد الشاعر من خلال ذلك سوى أنه يطلق أسراب تمنياته في فضاء فاتنته ،فديدنه ديدن العاشق الذي يرى وجه محبوبته في كل شيء،فهو يراها الآمرة على قلبه عكس ما يبدي في النص من تكثيفٍ لأفعال الأمر فهي

كما يقول:تزرع الليل صبح وتزرع الصبح ليل .يهيمن العنصر الحسيّ على الجزء الآخر من القصيدة بشكلٍ كبير،وتجلّت في ذلك قدرة التصوير الشعري وإحاطتها بكلّيّة المشهد بمسحٍ تتابعي لجميع عناصره متقصياً أدق التفاصيل .
مثال:
كل شيّ بجسمه يفضحه يستره
فيه فتنه قصير، وفيه حشمة طويل
وفي ردونه نقوشٍ لا سنابل ذره
الله اعلم لو ان الريح هبت تميل
ومن هنا نجد أن قصيدة فهد عافت (فتنة الحفل) منساقة بشكلٍ فنيٍّ متتابع يأخذ القارئ للإندماج والتفاعل ،متنقل عبر الزمان والمكان مستخدماً المونتاج عبر لقطات كوّنها الشاعر وصنع منها مشاهد سينيمائية عبر شحنها بعنصر الحركة والذي هو الميزة الأساسية للتقنية السينيمائية.
…………………………………………
1..قاموس السرديات ،جيرالد برنس تر ، السيد إمام ، ص 52
2.مارتن ، مارسيل، اللغة السينيمائية ،مصر، الدار المصرية للتأليف والترجمة ، ص225

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *