جدة- البلاد
لم يكن أقل المتشائمين بتولي أنطونيو غوتيريس منصب الأمين العام للأمم المتحدة استناداً إلى معرفتهم بماضيه يتوقعون فشله في أولى خطواته وتعامله مع الأحداث رغم احتمائه بمقولة أنه لا يمكن توقع المعجزات ليسقط العجز على منظومة الأمم المتحدة نفسها وليس على من يقودها.
وإذا كانت الأمم المتحدة مجرد هياكل لا حول لها ولا قوة ولا فائدة من وجودها فلماذا استمر غوتيريس في منصبه مترئساً مفوضية شؤون اللاجئين لعقد من الزمن ثم سعى بكل قوة لأن يحتل منصب الأمين العام؟.
لقد تعهد غوتيريس بعد أدائه اليمين بتحسين وضع المنظمة العالمية موصياً باستراتيجية اصلاح شاملة لاستراتيجية وعمليات الأمم المتحدة لصالح السلام والأمن.
ولكن العالم اليوم يعيش مرحلة حرجة من تهديدات نووية إلى أحداث ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وهو أحوج ما يكون لمنظمة أممية فاعلة ملتزمة بالحياد وقادرة على التحرك الدبلوماسي النشط لمنع انفجار هذه الأوضاع كما يلزمها التدخل كوسيط عادل في النزاعات القائمة.
وغوتيريس بعيد عن كل هذا ليس له غير الأسف والقلق والانتظار والتأمل لما يدور في العالم من صراع ونزاعات دموية يصاحب ذلك فشل في مهمة قوات حفظ السلام في مواقع متعددة واتهامات تطالها بينما أحداث أخرى أكثر ضرراً على وشك الانفجار.
وعود غوتيريس وأفعاله:
مابين الفلسفة والتنظير والواقع المعاش تتطاير وعود غوتيريس كأحلام وردية في محيط مضطرب لتتكشف تناقضاته في أقواله وأفعاله فمع انعدام الأمن وانتشار الصراعات لم يبادر شخصياً ولا عبر وسطاء لبث روح الثقة واحتواء الآثار المدمرة للحروب وبناء السلام وتهيئة العالم لمنع النزاعات وتكثيف الجهود للقضاء على الإرهاب ووضع حد لمآسي النزوح والتشرد واللجوء.
ركز غوتيريس في مخاطبته للرأي العام على دور الأمم المتحدة موكداًأنها وقبل كل شيءيجب أن تكون أداة لتعزيز دور الدبلوماسية من أجل السلام ومواجهة الأزمات وأن الصراعات أصبحت أكثر فأكثر مترابطة وترتبط بالإرهاب الدولي.
ولكن غوتيريس لم يطرح أية مبادرة للتحرك والوساطة سواء على المستوى الشخصي أو من خلال مبعوثين أمميين يحملون قيم الأمم المتحدة ومثلها ومبادئها لإنهاء النزاعات أو حشد الجهود واستنفار الطاقات لمواجهة الإرهاب.
غوتيريس أيضاً أكد على أهمية التعددية ودور المنظمات متعددة الأطراف في التعامل مع المشاكل العالمية التي تواجه العالم اليوم وأن المشاكل تتطلب حلولاً دولية،إذ لا يمكن لدولة منفردة أن تتصدى لها. ومع انتشار العنصرية ومعاداة السامية والإسلاموفوبيا في بعض مناطق العالم، قال إنه يضع أمله في الشباب الذين يدركون أن التنوع ثراء وليس تهديداً.
فحديث غوتيريس عن التنوع كعامل إثراء لدول العالم يضحضه تعصبه وانحيازه لبعض الدول والمجموعات وتقييمه غير العادل لملفات الأحداث.
وهنا أيضاً يتبين لنا عجز غوتيريس فلا هو تعامل مع المنظمات الإقليمية أو قدم حلولاً دولية للصراعات التي تجتاح العديد من دول العالم بل من المؤسف أنه ساهم في تعقيدها كما حدث في تعاطيه مع موضوع اليمن واعتماده تقارير غير صحيحة من عناصر تحيط بها الشبهات من كل جانب.
لقد تجاهل غوتيريس الحكومة الشرعية في اليمن المعترف بها دولياً ومجلس التعاون الخليجي ومبادرته لحل الأزمة وجهود التحالف العربي في حماية المدنيين ومساعدات مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بل وقرار مجلس الأمن رقم 2216 ليعتمد على تقارير من مناطق الانقلابيين ليس لها علاقة بالواقع الميداني.
وفي جانب آخر تجاهل غوتيريس الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وانحاز في تصريحاته إلى دولة الاحتلال فيما ظلت اسرائيل تعلن باستمرار عن بناء المزيد من المستوطنات متحدية كعهدها قرارات الأمم المتحدة.
ويتمادى الأمين العام للأمم المتحدة في غيه متجاهلاً مأساة الروهينجا في ميانمار الذين يتعرضون للقتل إلى جانب حرق وتدمير قراهم بينما فر الآلاف إلى بنجلاديش وما زال القتل مستمراً والفرار متصلاً والأمم المتحدة عاجزة عن اتخاذ موقف حازم إزاء هذه المحنة.
والغريب أن غوتيريس الذي أشار إلى نفسه بوصفه مهاجراً لم يضطر إلى المخاطرة بحياته في قارب غير صالح للإبحار قال إن الهجرة الآمنة يجب ألا تنحصر على الصفوة فهو كأنما يتجاهل الأسباب الحقيقية وراء الكثير من الهجرات غير الشرعية ويفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الأزمات والتشاحن بين الدول وإزكاء العنصرية ودعاوى القطرية والانكفاء والانغلاق.