ملامح صبح

(غواية) للنفيعي محمد بين المتقابلات والتجديد(1/2)

قراءة – محمد الرفيدي

محمد النفيعي، وكثير من الوجع ، كثير من الحسرة على موت مثله ، ليس اعتراضاً على حكم الله (إن الحكم إلا لله)،لكنّ الذي يعرف معنى أن يكتب النفيعي قصيدة ؟ يعرف بالضبط معنى أن يقرأ شعراً جميلاً ..في الواقع ، وبعيداً عن التحسّر، أعتقد أني ضمن أحد من عايشوا تجربة التجديد للنص الشعري العامي في الحجاز – تحديداً – قبل ما يقرب من الثلاثين سنة ، وإن كنت قد وصلت متأخراً بعض الشيء،لكنّ نتاج من يمكن أن أسمّيهم بالمجدّدين قد وصلني أغلبه،ومن أبرز – إن لم يكن أبرز هؤلاء – محمد النفيعي ، وفي نص (غواية)،الذي سوف أتناوله الآن،وكيف جمع النفيعي بين ما يمكن وصفه بالسهل الممتنع وبين التجديد نفسه؟ ثم كيف استطاع – إن بشكل أو آخر- قيادة – أو فلنقل ريادة مثل هذا العمل-الذي هو التجديد بطبيعة الحال؟

قبل النص..أود القول:بأننا لا يجب أن نجتزأ تلك الفترة – أعني فترة التجديد الجماعية في النص العامي الشعري – عن سابقتها من الفترات،وذلك أن التجديد قد بدأ في الأصل مع بدر بن عبدالمحسن ، بل لن نزايد لو قلنا : بأنه قد بدأ قبل بدر بمائة سنة،وأعني بذلك:حقبة محسن الهزاني وبديوي الوقداني وبركات الشريف والقاضي وابن سبيل وابن لعبون،غير أن البدر قاد تجربة فريدة،هي الأخرى لاتقل أهمية عن سابقاتها،بل كانت تحمل ملامح تجديدية متفردة،ولعل السبب الرئيس،الذي خدم البدر،هوصقل موهبته بالمواهب المجاورة ، ولاشك أن ثورة الاتصال المعاصرة قد خدمت البدر في هذا المجال،

وبشكل كبير،على العكس من التجارب السابقة له،والتي بعضها لم تكن تسبقه سوى بعقود، أمثال تجربة محمد الاحمد السديري.وبناء عليه ، فإن محمد النفيعي شأنه في هذا شأن البدر وغيره من الشعراء ، فهو يؤثر ويتأثر،ولاشك أن الذي لايؤثر ولايتأثر ليس ناضجاً بمايكفي.في عوالم نص (الغواية) لمحمد النفيعي ..قبل أن أخوص في عوالمه المزدحمة بتفاصيل غوايات الطفولة ، أود القول: بأن هناك من سبق محمد النفيعي في طرقه هذا،وهذا هو المحك الذي دفع بالنفيعي لكتابة هذا النص،التأثر والتأثير، فالشاعر علي القحطاني عندما كتب نصه :

يادار وين أحبابنا اليوم يادار
يادار وين الحب وين المحبين

لم يكن يدر بخلده أنه سيرمي حجراً في قاع التجربة الحديثة لكتابة النص العامي الشعري في الجزيرة العربية ، لكنه – وبلا شك – تعمّد كتابة تلك التفاصيل التي مرّرها على ذهن المتلقي إذ ذاك ، لتنتقل بعدها إلى أصابع محمد النفيعي،الذي صاغ أيضاً تجربته هذه بطريقته الخاصة.ولا ننس كذلك أن هناك من تأثر بنص القحطاني السابق الذكر،فصاغ قصيدة أخرى غير قصيدة النفيعي هذه ، وربما بنفس الطريقة التي كتب بها،ومن هؤلاء الشاعر والإعلامي سعد زهير،الذي كان ضمن من قادوا حملة التجديد في تلك الفترة ” قيادة إعلامية ” .في ذات النص ..استهل النفيعي نصه هذا بذكر المتقابلات ، انطلاقاً من كون النص نفسه يتمحور حول الذكر والأنثى، حيث قال:

عهدي بها قدّام تلبس عبايه
وانا – بعد – قبل البس شماغ وعقال

فالعباية هنا تقابل الشماغ،وهكذا،إلى هنا يمكن القول: بأن هناك تقابلاً في المعنى ، وفي عدد المتقابلات نفسها ، لكن زيادة ” العقال ” هنا ، مامعناه ؟أعتقد – والله أعلم – أن النفيعي حينما استهل نصه هذا ، تزاحمت في ذاكرته عدة محاور ، لعل من أهمها :

1- أن العقال رمز للشاب الصغير،الذي يرغب في الظهور بشكل جمالي أكثر جاذبية ، والخليجيون يدركون معنى ماأرمي إليه .

2- أنه إذا قابل ” العباية ” عند المرأة ” شماغاً ” عند الرجل ، فليس هذا بكاف في نظر النفيعي، وهنا تتضح صورة الرجل المسيطر في المجتمع المحافظ ، إذاً لابد من إضافة شيء آخر،غير الشماغ ، لتكتمل سلطة الرجل الشكلية ، وهنا يبرز “العقال ” كمنتج سلطوي ذكوري.

3- إكمال البيت بما يعودعليه بإضافة شعرية حقيقية، وليس لغرض الإكمال فحسب،فلو أن الشاعر هنا لم يذكر كلمة ” وعقال ” لاختل وزن العجز،لكنه أضاف ” وعقال ” لتكتمل الصورة النمطية للرجل،وفي ذات الوقت الشكلية للبيت نفسه… يتبع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *