الأرشيف

عدنان خاشقجي ( الإنسان )

عدنان خاشقجي، كانت والدته ووالده مرتبطين بشكل وثيق جدا بأسرة ياسين. كانت والدتي وشقيقتها الصغرى سميحة، والدة عدنان، قد جاءتا أصلا من سوريا للعيش في المدينة المنورة في أوائل القرن العشرين. كانت سميحة واحدة من أجمل النساء اللواتي عرفناهن، وهي لا تزال تذكر بأنها كانت مليئة بالحياة وتفيض بالحب.

تحت رعاية وحب سميحة وأمي، كانت أسرتا خاشقجي وياسين تقريبا أسرة واحدة، سواء في الطائف أو في مكة المكرمة، في المدرسة في الإسكندرية أو في الولايات المتحدة. تشاركنا طفولتنا، وفي وقت لاحق، تشاركنا سن الرشد. عدنان كان فريدا، وكان أيضا أفضل صديق لأخي أنس، الذي كان أكبر منه بعام واحد فقط. لقد عملوا معا وبدأوا أعمالهم في المملكة العربية السعودية في أوائل الخمسينات. كان آل ياسين وآل خاشقجي على اتصال دائم وأبدي. كان منزل آل الخاشقجي مفتوحا دائما لنا، كما كان منزلنا مفتوحا دائما لهم.
في رثائي لهذا الرجل العظيم، صديقي العزيز عدنان، الذي أضاف النكهة إلى حياتنا من خلال حبه للحياة، وأتذكر بشكل خاص قدرته التي لا تصدق بتحويل الأمل إلى واقع ملموس. استثمر في اللطف والإحسان، وفي المقابل، تلقى اللطف من الغرباء الذين لم يعرفوا حتى من كان. إنني أتذكر قصة ذكرها لنا صديقنا الحكيم أحمد عبد الوهاب، أحد المقربين من عائلة الملك فيصل، رئيس التشريفات، وأحد أعظم الرجال في تاريخ المملكة العربية السعودية.

فقد ذكر لنا قصته حيث كان يصلي في المسجد النبوي بالمدينة المنورة، بالقرب من قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولاحظ رجلا لم يعرفه يصلي ويدعو بالثناء على شخص ما في حالة عاطفية جدا. سأل هذا الرجل: “لماذا تبكي؟” أجاب الرجل بأنه كان يدعو من أجل رجل جاء إلى حارته، وعندما رأى كيف يعيش الجميع في فقر، وزع عليهم المال وبنى منازل للفقراء. وقال إنه لا يعرف من هو الرجل إلا أن اسمه عدنان وأن كرمه قد شفى به جراح الفقراء. كما كان هو الحال نفسه مع والد عدنان، الدكتور محمد خاشقجي، المولود في المدينة المنورة، فذكره الطيب موجود على كل لسان نظير ما قام به هو وأسرته من أعمال خيرية جليلة في المدينة المنورة.
هذا هو عدنان خاشقجي الذي نعرفه جميعا، وبشكل مختلف تماما عن التركيبة التي أوجدتها عنه وسائل الإعلام الدولية، والتي اهتمت فقط في تغطية أعماله، وثروته الواسعة والحفلات والمشاهير الذين كانوا يظهرون أينما ذهب.

اسمحوا لي أن أقف هنا لأقول نعم، نعم كان التواجد مع عدنان فيه الكثير من المرح، ولكن هناك جانب مهم جدا من شخصيته يجهله الكثير من الناس. فعلى سبيل المثال، عندما اشترى ممتلكاته الشاسعة في كينيا، استمر 2000 كيني بالعيش على أملاكه. بنى لهم المدارس، اهتم بهم بكرم وسخاء وأصبح رمزا للطف، واستمر في الاستثمار ليس فقط في الأرض، ولكن في الناس. وفي نيويورك كان مقر إقامته المذهل في البرج الأولمبي في الجادة الخامسة، معروف بالفخامة والتألق. وبينما كان يسير في شوارع نيويورك في أحد الأيام، جاء رجل فقير إليه وطلب منه المساعدة، كما يفعل العديد من الفقراء في المدن الكبيرة. فوضع عدنان يده في جيبه، وسحب 100 دولار وقدمها للرجل. فقال الرجل الفقير: “أنا لا أعرفك، ولكن لا أحد يعطي بمثل هذا الإحسان إلى رجل معدم ما لم يكن عدنان خاشقجي”.

المساهمات الإنسانية التي قدمها عدنان، وخاصة للفقراء، اتخذت مكانا بين أسطر الصحفيين الذين كانوا يكتبون عن فخامة نجاحه، وقد كانوا كثيرون. ولم يعلن عن ذلك أبدا، ولكن الآن وبعد أن انتقل الى رحمة الله، يتوجب علينا أن نشهد على الصدقة واللطف الذي بذله وامتد ليشمل جميع الناس، الأغنياء أو الفقراء على السواء. الجميع اغتنى بطريقة أو بأخرى من لطفه وعطائه. وأود هنا أن أقتبس روديارد كيبلينغ من قصيدته “إذا”:

“إذا كنت تستطيع أن تجعل كل ما تربحه من المكاسب في كومة واحدة وتخاطر به وترميه في الملعب، وتخسره كله، ومن ثم تبدأ من جديد، ولا تذكر أي شيء عن خسارتك.”

كيبلينغ كان يمكن أن يكون فخورا جدا إذا علم أن هنالك من استطاع تحويل شعره إلى حقيقة، واستطاع التعايش مع الصعود والهبوط بكرامة عظيمة وقدرة عجيبة على الصمود.
هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تقال عن عدنان خاشقجي، ولكن في هذه اللحظة أود أن أؤكد على مدى تكريس عدنان حياته لعائلته المحبة، بدءا من ابنته نبيلة وأبنائه محمد وخالد وحسين وعمر وعلي وكمال وأيضا سميحة. إنهم لا يشهدون نهاية حياة شخص أحدث فرقا حقيقيا، بل بداية لتراث عظيم يجب أن نبني عليه جميعا.

في الختام، أود أن أستعير بعض الكلمات التي استخدمها إيرلي سبنسر في مرثيته لشقيقته الكبرى ديانا، لأنها تعبر بشكل فريد عن نوع الشخص الذي كان عليه عدنان لكل واحد منا أيضا. “نتقدم بالشكر لحياة رجل نحن فخورون جدا بأن ندعوه أخونا، الرجل الفريد من نوعه، المختلف والمميز، عدنان الذي لا بديل له والذي جماله سواء الداخلي والخارجي، لن ينطفئ أبدا من عقولنا.”

عدنان، رحمك الله، ونحن هنا سنسعى لتذكير بعضنا البعض كيف أعطيت كل ما كان لديك، كم من أناس أسعدتهم، وكيف لم تستسلم للهزيمة أبدا. نحن نحبك، وأنت الآن ومن هذه اللحظة في كنف الله، من هذه الدنيا الفانية الى جنة عرضها السموات والأرض.
حسان بن يوسف ياسين
رجل أعمال
7 يونيو، 2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *