دولية

طهران تشتعل .. الشارع ينفجر في وجه الملالي

طهران ــ وكالات

لليوم الثالث على التوالي تضرب الشارع الإيراني موجة من الغضب ضد نظام الملالي؛ بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، التي تجلت في انهيار العملة المحلية أمام الدولار الذي تخطى قيمته الـ9000 تومان إيراني، وهو ما دفع الإيرانيين إلى الخروج في احتجاجات واسعة منذ الأحد الماضي.

فقد اعادت المظاهرات التي اجتاحت المدن الإيرانية، إلى الأذهان “انتفاضة يناير”، التي أشعلها أيضاً فساد الملالي وذارعهم العسكرية مليشيا الحرس الثوري الإرهابية، وتمت قمعها بالرصاص الحي والاعتقالات.

ثم ان الشرارة الأولى للاحتجاجات الشعبية انطلقت من قلب العاصمة الإيرانية طهران، ما يعد مؤشرا على ضعف النظام الإيراني، وتراجع قدرته على ضبط المركز الإقليمي للحكم، ويحمل العديد من الدلالات حول مستقبل الملالي.

وكان تجار بسوق طهران الكبير قد اعلنوا إضرابا مفتوحا عن العمل، وأغلقوا أبواب محالهم التجارية، وذلك استجابة للشرارة التي خرجت من سوق الإلكترونيات بشارع جمهوري وسط طهران، في محاولة لحشد الإيرانيين للوقوف في وجه نظام الملالي الذي يعتمد سياسات إفقار للشعب الإيراني.

فهذه الإضرابات امتدت إلى 7 مدن إيرانية أخرى، وهي: بندر عباس ومشهد والأحواز وشهريار وعبدان وكرج وجزيرة قسم، وسط تعتيم من إعلام رسمي وقمع للمحتجين، بلغ حد تحطيم أبواب المحال المغلقة لإجبار أصحابها على العودة إلى العمل مرة أخرى.

ولم يغفل المتظاهرون الإيرانيون الدور التخريبي للنظام الإيراني، وتحديدا في سوريا واليمن، ودعم الجماعات والمليشيات الإرهابية، وتأثير هذه السياسات على الأوضاع المعيشية المتردية الداخلية، في عودة لمشهد انتفاضة يناير الماضي، التي كادت تسقط النظام الإيراني.

وردد المحتجون هتافات مثل “اتركوا سوريا.. اهتموا بأمرنا”، و”الموت للغلاء”، وسط اشتباكات مع المحتجين، وإغلاق عدة شوارع رئيسية في طهران؛ لمنع تقدمهم ناحية المؤسسات الحكومية مثل البرلمان، ومقر الحكومة الإيرانية.

وأظهرت الفيديوهات التي بثها ناشطون تجمع آلاف المتظاهرين في ميدان “سبزه” وسط طهران، وهم ينادون إلى إضراب شامل وإغلاق كافة المحلات بشعار “أغلقوا محلاتكم وانضموا إلى الإضراب”.

كما تجمع حشد من أصحاب المحلات في بازار “كفاشان” في طهران وهم يهتفون: “لا نريد دولارا بقيمة 10 آلاف تومان”، ما يدل على ارتفاع مطرد للدولار بألف تومان منذ الاثنين مسجلا انهيارا قياسيا في تاريخ العملة الإيرانية.

وفي فيديو آخر، يهتف المحتجون بشعار “لا غزة، لا لبنان، منددين بإنفاق المليارات أموال الإيرانيين على الميليشيات التابعة للنظام الإيراني في دول المنطقة على حساب تجويع الإيرانيين وتدهور أوضاعهم المعيشية.

فيما أفاد ناشطون عبر مواقع التواصل أن المظاهرات اتسعت لمحافظات أخرى، حيث امتنع أصحاب محلات سوق كرمنشاه عن العمل وأغلقوا محلاتهم امس الثلاثاء.

وبعد أن واجه النظام الإيراني المظاهرات الشعبية الحاشدة في يناير الماضي، أكد مراقبون أن هناك موجة أخرى من الاحتجاجات سوف تشهدها إيران، وذلك لاستمرار أسبابها، المتمثلة في الفساد وسوء إدارة الموارد الاقتصادية، وما يتبعها من قرارات سياسية ترتبط بالدور التخريبي خارجيا.

وكانت صحيفة “واشنطن بوست” الامريكية قد نشرت في 14 يناير الماضي، بيانات من 32 مدينة من بين 52 مدينة صغيرة متعلقة بمعدل البطالة، وذلك في مدن عدد سكانها أقل من 400 ألف.

وتبين أن معدل البطالة في 81% من المدن التي انضمت إلى انتفاضة يناير، أعلى من متوسط البطالة الموجود بإيران وهو 12.7%.
من ناحية أخرى، أكد مراقبون أن البطالة تتركز بين الشباب من الجنسين، الذين يمثلون نحو 70% من عدد سكان إيران البالغ 80 مليون نسمة تقريبا، كما أن كل البرامج الحكومية لمحاولة إنعاش الاقتصاد الإيراني باءت بالفشل، فالاقتصاد يعاني الركود، والناتج المحلي الإجمالي يتوقع أن يتراجع، ومعدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي سلبي أو منخفض للغاية، وهذا بالطبع يجعل معدلات البطالة مرتفعة.

وكانت الميزانية الإيرانية لعام 2018، تضمنت زيادة في بعض الضرائب، في ظل ارتفاع معدلات الفقر في إيران، التي بلغت بحسب البيانات الرسمية، 35% من الإيرانيين، بينما تؤكد المعارضة أن تلك النسبة خادعة؛ إذ لا تقل عن 43% من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، وبالتالي باتت إيران نموذجا للفشل الاقتصادي والسياسي.

الصورة السابقة تشير إلى أن الاحتجاجات الإيرانية الحالية، لن يتم احتواؤها بسهولة، لاسيما مع استمرار أسبابها اقتصاديا وسياسيا، إلى جانب فشل جميع الإجراءات للحد من آثارها، وهو ما حذرت منه صحف إيرانية رسمية مؤخرا، حيث اعترفت صحيفة “صنعت جهان”، أن أوضاع الاقتصاد الإيراني حاليا على فوهة الانفجار، بسبب زيادة معدلات التضخم، وتناقص القوة الشرائية للمواطنين مقارنة بالسنوات الماضية، رغم الوعود الحكومية الجوفاء.

فيما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، تقريرًا مطولاً حول تأثير انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وتجديد العقوبات عليها، مشيرة إلى اشتداد حملات القمع ضد المعارضة وتجميد سياسة الانفتاح.
ولفتت الصحيفة إلى تصريحات أخيرة للرئيس الامريكي دونالد ترامب، بأن إيران بدأت بتغيير تصرفاتها بعد قراره الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع بين إيران و 6 دول كبرى عام 2015، لكنها أشارت إلى أن تلك التصريحات غير دقيقة.

ونقلت الصحيفة عن محللين سياسيين قولهم، إنهم لا يرون أي تغيير في سياسة طهران الخارجية في المنطقة بل في القضايا الداخلية فقط.
وقال المتحدث باسم حزب ماردومسالاري المعارض، ميرزابابا متاهارينزاد:”هناك تغيير في العملية السياسية والاقتصادية داخل إيران… ولسوء الحظ فإنه بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، فإن سياسة الانفتاح توقفت، واشتدت عمليات القمع ضد الناشطين.

من جانبه، قال المستشار الخاص لوزير الخارجية الإيراني، حسين شيخ الإسلام:اعتقد أن ترامب يتوهم بأن انسحابه من الاتفاق النووي سيرغمنا على تغيير تصرفاتنا في سوريا واليمن والعراق ولبنان واليمن .

وأضاف:لا اعتقد اننا سنفعل ذلك، لأننا في حال قررنا تغيير سياساتنا، فإن هذا القرار لن يكون نتيجة لما يفعله ترامب أو أي مسؤول آخر في البيت الأبيض.
ووفقا للصحيفة، فان معظم المحللين والمراقبين السياسيين الغربيين يتفقون مع شيخ الإسلام، أن إيران أصبحت الآن أكثر عدائية.

ونقلت عن الخبير في أكاديمية الدفاع الوطني في فيينا، وولتر بوش، قوله:”باتت إيران الآن أكثر عدائية وصعوبة… فهي اعتقدت بأنها ستصمد أمام ترامب بسهولة من خلال الضغط عليه في سوريا، وعن طريق استفزاز إسرائيل، وإن بطريقة غير مباشرة… لكنها في الحقيقة بدأت تصبح أكثر صعوبة وتعقيدا يوما بعد يوم

ولفتت الصحيفة إلى أن الاقتصاد الإيراني يزداد سوءًا، حيث انهارت قيمة الريال الإيراني بأكثر من 50% أمام الدولار الأمريكي في الآونة الأخيرة، وخرجت رؤوس أموال تزيد قيمتها على 27 مليار دولار من إيران في العام الماضي.

وقال أصغر كوباي، وهو تاجر إيراني في طهران: إن ايجاد مكان آمن لوضع مدخراتي أصبح مهمة مستحيلة، مشيرًا إلى أن عمله في تجارة السيارات لم يعد مجديًا، بعد ارتفاع أسعارها بشكل جنوني في الفترة الأخيرة.

وأضاف:ارتفعت أسعار جميع السلع بما فيها السلع المنتجة محليًا… فعلى سبيل المثال، قفزت أسعار السيارات المنتجة في إيران بأكثر من 40%… والحقيقة أنني الآن لست غير قادر على شراء سيارة جديدة فحسب، بل من يستطيع أن يشتري سيارة بهذا السعر”.

وأوضحت الصحيفة، بأن انهيار العملية الإيرانية أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة في الفترة الأخيرة، مشيرة إلى أن كثيرًا من الإيرانيين لجأوا إلى شراء العقار والذهب والسيارات كاستثمار آمن لحماية مدخراتهم من التضخم المتزايد.

وقال رضا خندان، زوج الناشطة نسرين سوتودي التي اعتلقت الأسبوع الماضي:إن تأثير قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي كان ضعيفا جدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *