استجواب الأرشيف

زرافة المدني والحطبة المشتعلة

محمد أحمد الحساني

عندما تسلمت بيد الشكر والتقدير قبل مدة نسخة من المؤلف الجميل “سن الزرافة” للكاتب الصحفي المفكر القدير والمثقف الخطير الاستاذ اياد أمين مدني وزير الاعلام السابق الامين العام لمنظمة التعاون الاسلامي، تذكرت بعض ما أعرفه عن الرجل منذ ان قرأت له لاول مرة، ثم بدأت اتابع ما يكتبه في عدة صحف ومجلات محلية، ولم يزل اعجابي بفكره وكَلِمِه قائما، وازداد ذلك الاعجاب به عندما استطاع تكوين ثنائي ناجح مع زميله الدكتور هاشم عبده هاشم لقيادة جريدة عكاظ في مرحلة من مراحل نهضتها بعد تعثر طويل سبق وصول الرجلين اليها فكان الاول قائدا للتحرير والثاني القائد الاداري: وحتى عندما اختلف الرجلان في اجتهاداتهما فإن الاستاذ المدني لم يطل مدة الخلاف بل ترك موقعه حرصاً منه على المؤسسة والجريدة وادراكا من لدنه بأن الاختلاف اذا ما تحول الى خلاف وصراع فإنه سوف يكون على حساب مستقبل الجريدة، ولذلك فضل الانسحاب بهدوء متمنياً للجريدة ولمن فيها ادارة وتحريراً المزيد من التوفيق.
اما هو فقد فتحت امامه ابواب أوسع للعطاء والمجد فقد اختير لعضوية مجلس الشورى ثم عين وزيراً للحج ومنها الى وزارة الاعلام ليؤوب منها الى القلم والفكر كما قر عيناً بالاياب المسافر ويعود اخيرا الى منصبه الدولي في أمانة منظمة التعاون الإسلامي.
ولأن اجيالاً عديدة من العاملين في مجال الصحافة والثقافة لم تعرف الأستاذ المدني كاتباً ومفكراً فإن قيامه بجمع بعض مقالاته في كتاب، قد يعرف هذه الاجيال باإياد مدني الكاتب المفكر وحمل كتابه عنوان “سن الزرافة” وقد سمي الكتاب باسم احد مقالاته وهو مقال نقل فيه الكاتب بحرافة ودهاء صورة من الماضي القريب، وما زرافة الا احدى الجواري اللائي كن يسمن الخسف على ايدي سيداتهن قبل تحرير الجواري والعبيد. ومن خلال حوار يجري بين عتيقة عجوز عاشت ذلك العهد المظلم وبين فتى من احفاد عاتقيها، يتبين للقارئ مدى القسوة والظلم الذي كان العبيد والجواري يعيشونه على ايدي بعض سادتهم وسيداتهم حيث تقول تلك العتيقة العجوز للفتى المحب للاستطلاع “اخ يا ولدي، كانوا يأخذون الحطبة من تحت القدر ويضربون بها الجارية..!” فيتساءل الفتى قائلا: ولا تقدر تشتكي؟! فيكون الجواب على مين يا عيني؟ ويتساءل الكاتب بدهشة واشمئزاز: أهكذا كانت ايام زمان ثم يستطرد قائلاً: عجيب هذا الزمان فكلما ابتعدت الشقة ازدادت الصورة بهاء ورقة.. كلما تحدثوا عن الوفاء والغيرة وحب الاهل ووصل الجيران.. لا احد يتذكر في غمرة تدليله الماضي؟؟ مآسي العبيد والجواري او زرافة او الحطبة المشتعلة ناراً..
واسأل: هل كان الكاتب يريد السخرية من بعض الماضويين الذين يرسمون الماضي على أنه كله خير وبر واحسان ووفاء في تقديرهم او هجائهم للحاضر وتخوفهم من المستقبل أم انه كان يمارس عملية اسقاط على نوع جديد من العبودية يمارس ضد العمالة المنزلية.

(الأهلة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *