الأرشيف محليات

تمثل امتدادا للاستراتيجيات والاتفاقيات السابقة .. الرياض ونيودلهي تشهدان حقبة جديدة من التعاون الثنائي والاستراتيجي الشامل

جدة – منير عبدالقادر
تمثل زيارة دولة رئيس الوزراء الهندي مان موهان سينج الى المملكة العربية السعودية نقطة تحول هامة في مسيرة العلاقات بين البلدين خاصة أنها ستشهد تكاتف الجهود المشتركة في سبيل تكريس وتوسيع أذرع الشراكة الاستراتيجية بين الرياض ونيودلهي في كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية، كما تشمل المباحثات الثنائية بحث الملفات الشرق أوسطية بما فيها مشكلة ملف إيران النووي ، وتشمل الزيارة أيضاً توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية المشتركة والتي تمثل الجوانب الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والاعلامية والثقافية والعلوم والتكنولوجيا وتقنية المعلومات والاتفاقيات الخاصة بمكافحة الارهاب وتبادل المجرمين، وكان سينغ قد وصل الى الرياض يوم أمس على رأس وفد رفيع من الوزراء أبرزهم وزير الخارجية السيد كريشنا ووزير البترول مورلي ديورا إضافة إلى وفد كبير من رجال الأعمال الهنود الذين يأملون في الدخول إلى السوق السعودي احد أهم الأسواق في الشرق الأوسط والعالم.
الزيارات المتعددة بين الجانبين
تأتي زيارة رئيس الوزراء الهندي الى المملكة من بعد ثمانية وعشرين سنة من أخر زيارة قام بها رئيس الوزراء الهندي أنديرا غاندي في العام 1982 وسبقها زيارة رئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر لال نهرو في العام 1956، بينما قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بزيارة الى الهند في ذو الحجة 1426 هـ الموافق يناير 2006 وهي تعتبر الأولى في تاريخ المملكة منذ حوالي نصف قرن، إذ كان الملك سعود بن عبد العزيز ( رحمه الله ) آخر ملك يزور نيودلهي عام 1955.
علاقات ثنائية قديمة الجذور
على مدار التاريخ تبقى السعودية مهمة جداً للهند، فهي بلد مكة المكّرمة والمدينة المنّورة، المكانين المقدسين عند 150 مليون هندي مسلم، كما يعمل في السعودية أكثر من 1.5 مليون هندي يشكلون أكبر جالية أجنبية فيها، لكن نيودلهي تتطّلع الى بناء جسور مع السعودية أوسع من الوظائف لأبنائها وأبعد عن صلات الدين، أكثر ما تريده هو توفير الطاقة.
تنامي دور المملكة السياسي
لقد جاء تطلع الهند إلى تقوية علاقاتها مع السعودية نتيجة لبروز دور المملكة الواضح على الساحة السياسية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله -، وليس ذلك فحسب ، بل عزز الدور الاقتصادي الذي تلعبة المملكة خاصة بعد انضمامها الى منظمة التجارة العالمية في داخل المنظومة الاقتصادية العالمية نقاط الجذب لدى العديد من الدول داخل النسق السياسي العالمي ومن ضمنها الهند التي تعد ضمن كبرى الاقتصاديات الاسيوية الناشئة ، حيث مهدت هذه التطورات لدى الهند ان المملكة تعد البلاد الأكثر أهمية لتوفير الطاقة للهند ، كما أن النمو الاقتصادي المرتفع وتضاؤل وجود الثروة النفطية في الهند دفعاها أكثر الى الاعتماد على النفط المستورد الذي يشكّل 70 من احتياجاتها. وتبقى الرياض من أكبر مزودي الهند بالنفط. والمعروف أن السعودية هي أكبر منتج للنفط في العالم والقوة المحّركة في منظمة «أوبك» التي تحدد بالتالي أسعار النفط.
الهند دولة اقتصادية واعدة
من جهة أخرى هناك تحول في نظرة الرياض الى الهند، من دولة ناشئة اقتصادياً الى دولة ذات سوق واسع يجب اكتشافه والاستثمار فيه، وتجدر الإشارة الى أن الهند كانت أكثر المرحبين بانضمام السعودية الى منظمة التجارة العالمية، لأنها ترى في العضوية التزاماً سعودياً بمساعدة الدول النامية والفقيرة،وقال بيان للحكومة الهندية: انه لا يمكن إبقاء دولة بحجم السعودية خارج النظام التجاري التعددي، وبدخولها ازداد النظام التجاري العالمي قوة وأصبح أكثر وضوحاً.
التعاون النفطي
لا شك أن الخطوات التي قامت بها \"أرامكو\" مثالاً يُحتذى به، إلا أن هناك مجالات أكبر للتعاون مع الهند في مجال الطاقة. الهند ليست سوقاً فقط، ولكن لديها شركاتها العالمية التي تبحث عن استثمارات مختلفة في شتى أنحاء العالم، خاصة في مجالي النفط والغاز. كما أن هناك حاجة ماسة لزيادة التعاون على كل المستويات، وفي كل المجالات بين البلدين . كما ان المملكة توفر مناخاً جيداً هو الأفضل أمام المستثمرين بالإضافة إلى وجود بنيـة تحتية جيدة وحديثة بالبلاد فالمملكة توفر منطقة أسواق حرة للصادرات بالإضافة إلى قروض خالية من الإرباح حتى نسبة 50% من رأس مال المشروع.
برنامج الوفد الزائر
يبدأ برنامج الوفد الزائر اليوم بلقاء رئيس الوزراء الهندي مان موهان سينغ بوزير الخارجية الأمير سعود الفيصل حيث سيعقدان محادثات يتطرقون خلالها للشؤون السياسية والاستحقاقات الدولية التي تنتظرها المنطقة. بعد ذلك سيكون وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي على موعد مع الدكتور سينغ يتوقع ان يكون حاضراً خلالها وزير النفط الهندي مورلي ديورا حيث تحصل الهند على أكثر من 30 بالمائة من حاجاتها من البترول من المملكة وتصل كميات ما تصدره المملكة للهند إلى حوالي 500 ألف برميل يوميا. كما سيلتقي رئيس الوزراء الهندي بمعالي وزير التجارة عبدالله زينل وذلك للوقوف على سبل وتطوير التجارة البينية وإزاحة الصعوبات التي تعوق التبادل التجاري بين البلدين لا سيما بعد قضايا الإغراق التي واجهتها المنتجات الكيميائية السعودية في السوق الهندية. واستمرارا لذلك ينتظر ان يلتقي الدكتور مانموهان سينغ ورجال الأعمال الهنود برجال الاعمال السعوديين في مجلس الغرف التجارية حيث سيلقي خطاباً امام هذا التجمع التجاري والاقتصادي.
في نهاية هذا اليوم ينتظر ان يجتمع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بنظيره وضيفه رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ حيث سيعقدون اجتماعاً خاصاً يتطرقون خلاله إلى المواضيع بشمولية وعمق، يعقب ذلك توقيع ستة اتفاقيات منها اثنتان ذات طابع أمني.
الشورى يستقبل مان موهان سينغ
سوف يستقبل مجلس الشورى يوم غدٍ دولة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ ليلقي خلالها خطاباً يتناول فيه السياسة الخارجية لبلاده ومواقفها إزاء القضايا الإقليمية والدولية الراهنة، كما سيعرض مدى ما وصلت إليه العلاقات المتينة التي تجمع البلدين الصديقين وأوجه التعاون الثنائي بينهما في مختلف المجالات، وإلى الفرص الاستثمارية المتاحة في بلاده، والتي تتيح إيجاد مزيد من التعاون الاستثماري المشترك بين رجال الأعمال في المملكة والهند. كما سيلتقي دولة رئيس مجلس وزراء الهندي خلال زيارته إلى مجلس الشورى بمعالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وذلك لبحث سبل تعزيز العمل والتعاون على صعيد العلاقات البرلمانية بين مجلس الشورى والبرلمان الهندي. وسيكون لقاء سينغ بوفد من الجالية الهندية هي آخر نشاطاته في الزيارة التي يتوقع ان تكون منعطفاً مهماً في علاقة بين البلدين التي توصف بالوطيدة .
ملفات الطاقة
إن حاجة الهند للطاقة، وبالتالي لدول الخليج بصفة عامة والمملكة بصفة خاصة ، مرهونة بأمرين: الأول يتمثل في تمويل مشاريع الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، والثاني إيجاد تكنولوجيا جديدة لاستخراج وتطوير الفحم بطرق نظيفة وآمنة. الكل يعرف أن تكنولوجيا الطاقة النووية متوافرة لدى الهند، وأن لدى الهند ثالث أكبر احتياطيات من الفحم في العالم.
الهند لا تستطيع على المدى القصير تمويل مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة النووية، كما أنها لا تستطيع زيادة إنتاج الفحم بشكل كبير لأنه من النوعية الرديئة الملوثة جداً للبيئة. إن تطوير كلا المصدرين ممكن على المدى الطويل، خاصة إذا شعرت الهند بأنها لا تحصل على إمدادات كافية من النفط، أو أن تجارتها مع العالم العربي ضئيلة مقارنة بالدول الأخرى. ، ولذلك ظهرت الحاجة الهندية الماسة للنفط عصب التطور والذي وجدت في المملكة خير شريك للتزود منها بخام النفط .
الجدير بالعلم أن هنالك حوالي 50 مجموعة هندية سعودية مشتركة بالهند بينما توجد 87 شركة هندية بالسعودية تشمل شركات هندية وأخرى مشتركة بين البلدين.
نمو مضطرد
ومن جهة اخرى شهدت ومازالت العلاقات التجارية بين بين الهند والمملكة نمواً مضطرداً خلال السنوات الماضية وتعتبر الهند رابع أضخم شريك تجاري مع السعودية وقد بلغ التبادل التجاري بين الطرفين خلال عام نحو 25 مليار دولار
ويعتبر النفط والمنتجات البتروكيماوية من أهم واردات الهند من السعودية التي تعد أكبر مصدر للنفط الخام إلى الهند حيث تقوم بتزويدها بربع احتياجاتها النفطية تقريبا.
أكبر الجاليات الهندية في المملكة
وتحتضن السعودية واحدة من أكبر الجاليات الهندية حول العالم، حيث يربو عدد العاملين الهنود بالمملكة حاليا على 2.5 مليون نسمة ساهموا مساهمة كبيرة في الاقتصاد السعودي، ويلعبون دورا هاما في تعزيز العلاقات الثنائية بين الهند والمملكة.
وأصدرت الهيئة العامة للاستثمار في المملكة 82 رخصة للشركات الهندية لتنفيذ المشاريع المشتركة خلال العامين الماضيين أو المشاريع بملكية 100% يتوقع لها أن تجلب استثمارات تصل إلى1.751 مليار ريال (467.18 مليون دولار أمريكي) إلى السعودية. بينما بلغ عدد المشروعات المشتركة بين الجانبين نحو 500 مشروع استثماري في المملكة
وتؤكد مصادر السفارة الهندية بالرياض أن السعودية تعتبر المستثمر الثاني والعشرين في الهند حيث بلغت قيمة الاستثمارات السعودية بالهند 858 مليون ريال (228.8 مليون دولار أمريكي) خلال الفترة الممتدة من 1991 وحتى 2007.
اعلان نيودلهي
خلال الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الى الهند في العام 2006 تم التوقيع على إعلان نيودلهي الذي اشتمل على عدد من المحاور المهمة منها تعزيز التعاون لمكافحة خطر الإرهاب والجرائم الأخرى والاتفاق على توسيع وتنويع التجارة والاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتأكيد على أهمية استقرار سوق النفط للاقتصاد العالمي وتأسيس شراكة استراتيجية نفطية كذلك قيام الحكومتين بتشجيع ودعم رجال الأعمال في كلا البلدين الصديقين، والعمل على تعزيز التعاون بينهما في مجال التقنية ودعم وتشجيع التبادل الثقافي. وفيما يتعلق بالتعاون السياسي أكد البلدان التزامهما بمبادئ الشرعية الدولية وأهمية الحفاظ على السلام والاستقرار الدوليين واتفق الجانبان على العمل معا لحل النزاعات الدولية القائمة بالطرق السلمية. وفي المجال الاقتصادي ولتوفير إطار عمل مؤسسي لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية تم التوقيع في نيودلهي عام 1981م على اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني بين البلدين وأنشئت اللجنة السعودية الهندية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي والفني والثقافي ، كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس الأعمال السعودي الهندي الذي عقدت دورته الأولى في نيودلهي في شهر نوفمبر 2005م . ويوجد أيضا عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين ومنها مذكرة تفاهم بين المجلس الهندي للبحوث العلمية والصناعية ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وقعت في عام 1997م وبرنامج للتعاون التقني بين المجلس الهندي للبحوث العلمية والصناعية والهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة تم الاتفاق عليه عام 1993م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *