حوار – آمال رتيب
اهتمام أهل جدة ببيوتهم القديمة٬ لا يقل بحال من الأحوال عن الاهتمام بالحفاظ على القديم والتراث٬ والبيوت في منطقة البلد شاهد على ذلك الشغف٬ بيوت لم تعرف جمود الأسمنت والمسلح٬ بيوت عرفت نوعا من الهندسة المعمارية التي تتكيف مع الأجواء المناخية دون الحاجة لمبردات صناعية٬ و”بيت المتبولي” الأثري بسوق العلوي٬ بني منذ 422 عاما٬ كأول بيت في جدة القديمة شاهد على هذه الهندسة المبتكرة٬ والذي افتتحه مؤخرا بعد التجديد٬ صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العليا للسياحة والآثار..المهندس سمير المتبولي هو أحد أفراد عائلة المتبولي٬ والموكل بترميم البيت والإشراف عليه من قبل العائلة والذي يحدثنا عن البيت وكيفية الحفاظ عليه بعد الترميم.متى بدأ الاهتمام ببيت المتبولي كأثر يجب الحفاظ عليه؟فكرة مشروع ترميم بيت آل المتبولي الأثري بدأت في العام 2012 على أن تنتهي أعمال الترميم بالكامل نهاية العام 2014، بهدف إعادة الهيئة الأثرية للمبنى الذي شيد عليها قبل 400 عام تقريبا ثم الحفاظ عليه، وظلت تجري عمليات الترميم للإبقاء على الأثر التاريخي بعناصره الأصلية، فيراعى عند إزالة العناصر المحافظة عليها لاستخدامها ثانية عند التشييد٬ وشمل ذلك الحجر المنقبي والأخشاب والحشوات الترابية. وأين وصل هذا الترميم والتجديد؟خلال العامين الماضيين فرشنا بيت الجدة وبيت الوالد والديوان والمقعد وأضفنا كل الفرش القديم وبنفس كيفية استخدامه في السابق٬ فالبيت مكون من أربعة أدوار٬ فرشنا دورين كاملين٬ وعمل صيانة كاملة للبيت٬ وحافظنا على جماليات النقوش سواء على السقف أو الجدران٬ وكل ما يخص مكونات البيوت الجداوية القديمة أصبحت واضحة جلية في “بيت المتبولي” كنموذج لما كانت عليه بيوت جدة في الماضي٬ وكيف أن البيت له أكثر من 400 سنة٬ وهو قائم بأدواره الأربعة٬ لم نضف عليه أي مواد أسمنتية آو حديد٬ أنما فقط حجر المنقب القديم٬ والأسلوب الحجازي القديم والمبتكر في نفس الوقت٬ هو ما حفظ له بنيانه وجمالياته كل هذا الوقت.وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان عندما افتتحه أثنى على البيت والاهتمام به٬ خاصة أنه قائم على جهود أفراد العائلة فقط٬ وهي التي تهتم به وتستقبل الزوار كإضافة لجدة التاريخية. نريد أن نتعرف أكثر على البيت؟دار آل المتبولي الأثري شيد في القرن السابع عشر من قبل الشيخ محمود المتبولي رحمه الله، ويقع في سوق العلوي بمنطقة البلد التاريخية بجدة. ويتكون الدار من أربعة أدوار ويتميز باحتوائه على اثنين من الصهاريج التي كانت تستخدم لتخزين مياه الأمطار ومقعدين أحدهما للرجال والاخر للشباب أسفل البيت، ومدخلين مستقلين وديوان تطل عليه الرواشين الداخلية من الجهة الغربية (البحرية) وتقع واجهة البيت في الجهة الشمالية ( الشامية) وتبرز منها أغلب الرواشين الموجودة في المبنى وتقل النوافذ في الجهة الشرقية ( القبلية) والتي تطل منها فتحات تهوية الدرج والحمامات والمطبخ وذلك لمناسبة الطقس واتجاه الرياح التي تكون عادة من الاتجاهين الشامي والبحري وتفاديا لحرارة الشمس في الجهة القبلية. ذكرت أن الهدف من الترميم بالإضافة للحفاظ على تراث العائلة.. إقامة متحف ونشاطات ثقافية.. ماذا عنها؟منذ فكرت العائلة في ترميم البيت٬ كان المخطط له استغلال المبنى ثقافيا واستثماره تجاريا بما يحافظ على سلامته كمبنى أثري ويسهم في تطوير وإحياء المنطقة التاريخية٬ فالبيت قائم كما هو ومحافظ على متانته٬ ويستقبل مئات الزوار٬ وفي مهرجان جدة كان يستقبل أكثر من 300 زائر في اليوم خلال أيام المهرجان٬ وهناك إقبال كبير على المتحف٬ ورغبة من الشباب للتعرف على طريقة أهل أول في فرش البيت٬ وكبار السن يسترجعون الماضي الحاضر أمامهم في بيت المتبولي٬ ويستطيع الزائر أن يرى جمال الرواشين وجمال الخشب٬ وحجر المنقب الأثري٬ والمداخل٬ وأيضا عملنا متحف للطوابع القديمة. هل كشفت الترميمات عن تفاصيل جديدة في عمارة جدة القديمة؟بالفعل كشفت الترميمات عن وجود سرداب مخفي بالمبنى الملحق بالبيت، وهذا الجزء من البيت يمثل المدخل الرئيسي لبيت المتبولي والجلسة الرئيسة للرجال، ولم يعرف حتى الآن سبب وجود هذا السرداب الذي يعد مخرجا من أسفل البيت إلى خارج المنطقة بكاملها.وكان هذا المكان ممنوعا على الصغار دخوله – في ذلك الوقت- لأنه يتضمن جلسة الرجال التي تحتفظ بزخارف وعقود معمارية بديعة، وكان السقف يرتفع لأكثر من 15 مترا، والجلسة مفتوحة وبدون أعمدة، وفي مرحلة تالية أضيف السقف وعدد من الأعمدة، وتحول إلى مخزن، وبعد ذلك تم إغلاقه تماما، وهو ما أخر اكتشافه ضمن أجزاء البيت الأخرى والتي كشف عنها سابقا، والمكان المكتشف كان يتضمن جلسة للبيت ومقعد، وهو المدخل الرئيسي للبيت، ونحاول الآن معرفة أي معلومات تاريخية عن استخدام الملحق وهذا السرداب الذي يمثل لغزا تاريخيا، بما فيه من ممر كان يستخدم في تخزين المياه المحلاة ونقل المواد التموينية، وربما قبل 150 عاما كان يستخدم كمهرب.وما هي خطواتكم المقبلة لاستكمال المشروع في بيت المتبولي؟نعمل حاليا على استكمال إعادة البيت كاملا على ما كان عليه من نقوش وجداريات مع الاحتفاظ بالأجزاء المتبقية كما هي، وتحويله إلى متحف كامل للتراث يمثل هذه الحقبة التاريخية من أدوات وملابس وصور ورواشين، ولكن من الصعب وجود فنانين ومعماريين يقلدون تلك الجداريات والنقوش بنفس الدقة التي كانت عليها، ونسعى إلى جمع أكبر قدر من القطع الأثرية في مكان واحد وعرضها بشكل يليق مع تراثنا ولنشارك في المحور الثقافي والمعرفي وتنمية منا لدور الثقافة والآثار، وتوعية جيل الشباب بقيمة وأثر الآثار في حياتنا وقيمة الحفاظ عليه، وتزويد الشباب الدارسين والمهتمين٬ بكثير من المعلومات التاريخية والأثرية لهذه المنطقة التاريخية المهمة في حياة جدة وأهلها٬ للحفاظ على هذا التراث الوطني الإنساني.