ملامح صبح

النفيعي وكسر العرف في قصيدة (منيفه) !

رؤية: د. محمد الرفيدي

محمد النفيعي ، شاعر استثنائي ، ليس لأنه كتب القصيدة الجديدة،التي تناولها من سبقه ، فانطلق من حيث انتهى الآخرون ، وليس لأنه شاغب الفكرة ، فعلّق الجرس ، لكن لأنه يتشكل حيثما رأى أن القصيدة تتطلب منه ذلك ، تقرأ نصوصه الجديدة الشكل فتظن انه لا يكتب النص الحر مثله ،

وتقرأ قصائده التقليدية الشكل أيضاً فتظن أنه لا يكتب القصائد العمودية مثله ، وهكذا دواليك .وفي نصه ( منيفة ) يكسر النفيعي حاجز العرف الاجتماعي ، الذي لم يكن قد كُسِر ، سوى من النخبة ، والنخبة هنا لا يهمها كسر هذا العرف ؛ لأنه في حقها مصدر فخر ، وليس كما هو الحال عند العامة ، إذ يصبح المعنى هنا مختلفاً من الناحية الشكلية على الأقل ، فالذي لا يستطيع نبز بدر بن عبدالمحسن باسم أمه – مثلاً – يستطيع دون أدنى شك نبز النفيعي محمد (كما يحلو له أن يسمي نفسه)، إذاً جرأة محمد النفيعي هنا في الطرح جرأة غير مسبوقة من العامة ،

ولا يمكن القول بأن بدر حينما صرّح باسم أمّه في إحدى نصوصه ، بأنه قد كسر حاجزاً ما او ما شابه ، كلا ، فالمسألة بالنسبة للبدر مصدر اعتزاز وفخر ، وهي كذلك بالنسبة للنفيعي ، لكنها ليست مصدر فخر بالنسبة للآخر، الذي سيواجه النفيعي بما يشبه السُبّة .ولندلف إلى أتون النص ، لنرى كيف أن النفيعي أقامه على حافة الاسم الذي يرغب في تحرير السائد إجتماعياً منه ، فـ ( منيفة ) كإسم اعتمد على قافية الصدر بالنسبة للنص ، ويمكن أن نقول : بأن قافية الصدر اعتمدت على الاسم ، فالمسألة هنا تكاملية بين الاسم والنص .

وقد استهل النفيعي هذا النص بكل فعاليات الجمال الطبيعية ، فمن النظافة ، التي هي أس التطهير ، إلى الحنان ، الذي يعد الرمز الخاص بالأم ، إلى الصَون ، ثم الدين ، ثم العفّة ، ثم ختمها بمايستحق هذا الكائن الجميل من كل تلك المعاني ، ألا وهو الطهر ، وهو خلاصة كل مايمكن أن يقال عن الأم .وإذا مافتشنا عن جماليات هذا النص فلن نعدم تلك التصاوير الجميلة ، التي تنطلق من عواطف – لا أشك – بأنها جيّاشة ، مثل قوله :

لا يابعد هالراس والعين والفم
لا يابعد برق الحنان ورفيفه

لا يابعد دمع”ن” ذكرك وتبسّم
يامن ركض بعروقها طاهر الدم

كل هذه العبارات تشيء بمايختلج في نفس الشاعر من ذلك الحب الذي يحمله لأمّه ، وهذه المطالع كلها أتت في مقدمة النص ، مما يدلل على قوة الدافع الذي حدا بالشاعر لكتابة نصه هذا وإذا ماوصلنا إلى لب القصيدة ، والتي عنون بها الشاعر هذا النص ( منيفة ) ألفيناه في البيت الرابع منه ،

متصدراً بعلامة الاستفهام ، هذه العلامة التي تجعل منه أيقونة النص بالفعل ، ولو أنه أتى به دون صياغة استفهامية لربما لم يحظ بهذه اللفتة التي تحسب لكاتبه :ويامن نشد عن بنت مطلق ( منيفة )والمعروف من خلال قراءة مستهل النص ، وصولاً إلى هذا الشطر ، بأنه لم يسبق هذا الاستفهام أي استفهام آخر ،

أي : أنه لم يكن هناك سؤال سابق لهذا السؤال عن والدة الشاعر (أمدّ الله في عمرها إن كانت لاتزال على قيد الحياة)، لكنّ الشاعر هنا يسبق الاستفهام باستفهام مثله للفت الانتباه ، وهو مما تميّز به النفيعي في سائر نصوصه ، ليجيب عنه بماليس متوقعاً ، وهذا أسلوب انشائي آخر بعيد كل البعد عن الإنشائية التقليدية ، فالإجابة هنا لم تتضمن المباشرة ، بل إجابة أخرى في صيغة تعريف جديد لمن هي منيفة :هاذيك لانادت يقول الشرف:سم ولا يتوقف النفيعي عند هذا التعريف لمن هي منيفة ؟ لا بل يضيف إلى وعي القارئ تعاريف أخرى:

هذيك مفلولة حجاج وشريفة
هذيك من قالت للاحسان : ياعم

أمي تراحيب المعزب لضيفه
مالك لوا وابشر وحياك مع سم

وأمي ربيع الوقت الاغبر وريفه
لامن نشد عن كايد الجرح بلسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *