جدة

المنطقة التاريخية في عيون الفيصل

كتبه هاشم بن عبدالله النمر

لقد كان لي شرف المشاركة في ورشة عمل “تطوير المنطقة التاريخية” المقامة تحت إشراف إمارة منطقة المكرمة الأربعاء الماضي 12 جمادى الآخرة. ولقد تحدث سمو الأمير عبد الله بن بندر آل سعود نائب أمير منطقة مكة المكرمة نيابة عن صاحب السمو الملكي مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، عن أهمية المنطقة التاريخية وأهمية الحفاظ عليها لتبقى شامخة مستدامة للأجيال القادمة وهي من التراث الذي نعتز به
وقد تحدث كل من “أمانة محافظة جدة , المرور , الدفاع المدني والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني” عن مبادراتهم وخططهم المستقبلية للحفاظ على المنطقة التاريخية وعن أهم العوائق والحلول المقترحة من جانبهم. وقد دارت جلسات ورشة العمل عن أهم المبادرات والخطوات التي من الممكن تنفيذها مستقبلا لتطوير المنطقة التاريخية, ذلك التاريخ العزيز على قلوبنا. ولقد تحدثت عن أهمية إيجاد حلول مناسبة لرفع مستوى الاستثمار في المنطقة التاريخية وذلك بالتوافق مع رؤية المملكة 2030 مع التشديد على الحفاظ على ما تبقى من آثار الأجداد. كيف لا, فهذه جدة المدينة التي كانت هادئة في المساء بالرغم من الحركة الملاحية الضخمة وكثرة المخازن والبضائع والأنشطة التجارية والصناعات الحرفية وحركة الحجاج. جدة تلك المدينة المستطيلة الشكل التي يلفها سور متفاوت الارتفاعات لا يتجاوز طوله الكيلو والنصف، ذلك السور الذي يضم فيه الأزقة بحواريها الأربع، ومساجدها التاريخية، وأبيارها، وصهاريجها، وبازانتها. السياحة تعتبر الهدف المنشود لجدة بل للعديد من الدول وهي من أهم الركائز التي يعتمد عليها الدخل القومي للدول فقد بلغت عائداتها عالميا لعام 2015 حوالي 1.5 تريليون دولار أنفقها نحو 1.2 مليار سائح، بل وأصبحت السياحة تساهم بما نسبته 15% من مجموع الإنتاج المحلي العالمي، وتوفر حوالي 11% من مجموع فرص العمل في العالم. السياحة أصبحت لا تعتمد على الأشكال النمطية المتعارف عليها سابقاً، بل أصبحت تتجه إلى أنماط جديدة اختلفت عن تلك التي سادت سابقاً، فها هم الأفارقة جاؤوا بفكرة تكون مهرباً لهم من الفقر وبدؤوا ببناء فنادق ضخمة على ساحل كينيا وجنوب أفريقيا، فبدأ السياح بالتدفق على هذه المواقع بحثاً عن سياحة غير اعتيادية. السياحة غير الاعتيادية تبدأ بتنوع أشكال وأنماط السياحة، وهذا ما نرجوه لجدتنا الحبيبة، فنحن لا نريد أن نعتمد على سياحة الأسواق والمهرجانات والتراث فقط، بل نريد أنماطا جديدة من السياحة، كالسياحة البيئية، والسياحة العلاجية، والسياحة الثقافية، والسياحة الدينية، والسياحة البينية والتشديد على السياحة المستدامة التي تعتمد على الاستمرارية وتضمن الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية. ولنا في الأردن أكبر مثال، حيث تشكل عائدات السياحة في الأردن ما نسبته 13% من الناتج القومي الإجمالي، فلقد كانت الأردن تتجه وبنسبة كبيرة إلى المواقع التاريخية والأثرية كالبتراء وجرش كسلعة سياحية، ولكن خلال السنوات العشر الماضية ظهرت هنالك عدة توجهات كان أهمها الاهتمام بالسياحة البيئية كوادي رم، والسياحة العلاجية كالعفرا والبربيطة وماعين، والسياحة الثقافية كأحياء وسط مدينة جرش والكرك ومادبا. علما بأن جدة التاريخية على مقدرة تامة بتوفير جميع أنواع السياحة المذكورة أعلاه، فمن الممكن ربط السياحة البينية مع السياحة الدينية وذلك بعمل مذكرة تعاون دولية إقليمية مع دول العالم المختلفة والتي ترسل بعثاتها للحج والعمرة لتنظيم جولات سياحية لجالياتهم لزيارة جدة التاريخية، والاستمتاع بعبق التراث الحجازي الأصيل، ولسوف تعزز رؤية المملكة هذا التوجه، فبتضاعف عدد المعتمرين من الخارج إلى 3 أضعاف، وبتسهيل استخراج التأشيرات وبالعمل الدؤوب على إنجاح مترو مكة وقطار المشاعر وبالربط البري مع أفريقيا عبر مصر ستساهم هذه التوجهات وبقوة على إنجاح السياحة البينية والدينية لجدة التاريخية. وهناك السياحة الاستشفائية، فمنازل جدة التاريخية كانت تذخر بالكثير من سبل الاسترخاء الاستشفائي فهناك حمامات البخار التي كانت منتشرة في أغلب بيوت جدة، وهناك الآبار والزوايا الاستشفائية كبئر الأسنوي والسنوسي وأبوعنبة وسنبل والقنفذية وجوهر، هذا غير احتواء كل منزل على صهريج لتخزين مياه الأمطار والتي توحي بالاسترخاء والطمأنينة. أما بالنسبة للسياحة المستدامة فقد يأتي للذهن بأن هناك تضارباً ما بين السياحة والحفاظ على التراث العمراني والبيئة، وذلك بالنظر إلى السائح بأنه أحد العوامل المهددة لأصالة المواقع التراثية، لكن بوجود إدارة فاعلة للمناطق الأثرية فقد نضمن بقاء مواقعنا الأثرية كما هي. ولكن الهدف الأساسي هو بقاء السائح داخل جدة التاريخية، لذا فإنه يلزمنا ولنجاح مثلث السياحة الذهبي، تحويل بعض المنازل التاريخية إلى فنادق ونزل لاحتواء السياح، وتحويل البعض إلى مقاه ومطاعم لتقديم الأكلات الحجازية الشعبية وتحويل البعض إلى دور للثقافة والفنون الشعبية والفلوكلورات الحجازية. وها هي رؤية المملكة مرة أخرى تعزز هذا التوجه، فهناك مبادرة برفع الناتج المحلي إلى 35% بمساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة، مما سيساعد على إحياء مشاريع حيوية لجدة التاريخية، وسيودى إلى خفض معدل البطالة إلى 7% لأن هناك عددا كبيرا من الشباب والشابات الذين سيعملون بمشاريع جدة التاريخية، وبالتالي رفع نسبة مشاركة المرأة إلى 30% كما هو مخطط له في رؤية المملكة. وهناك حلم بأن تتحول جدة التاريخية إلى مدينة تراثية مغلقة بسورها العظيم كما في السابق والتي تعمل طوال العام، ويتم إحياء آبارها وصهاريجها وحرفها القديمة. ويكون الدخول للمدينة التاريخية بتذاكر كما في المدن العالمية ولا ضير من الاستعانة بالخبرات الأجنبية في هذا المجال، وبالتالي نكون قد تماشينا مع توجه رؤية المملكة بمحاولة رفع نسبة الاستثمار الأجنبي إلى 5.7%، وسنساعد على توجه الرؤية بتأسيس وتطوير المراكز الترفيهية، بالتعاون مع شركات عالمية في قطاع الترفيه، وبالتالي تصبح جدة من ضمن أفضل 100 مدينة لعام 2030. أخيرا من المقترحات أيضا أن يتم إنشاء هيئة خاصة بالمنطقة التاريخية تجمع جميع الجهات ذات الصلة في مكان واحد وذلك لسهولة وسرعة اتخاذ القرارات التي تهتم بالمنطقة التاريخية والتقليل من البيروقراطية في الأداء ومن المهم دعم ملاك المنطقة التاريخية للحفاظ على ممتلكاتهم التاريخية , قد يكون الدعم ماديا أو حتى معنويا وذلك بتسهيل الإجراءات الضرورية للحفاظ على الإرث العمراني القديم كما كان سابقا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *