متابعات

المسجد الحرام .. التاريخ والمعالم والعمارة الفريدة

مكة المكرمة – البلاد

مكة المكرمة أشرف البلدان وخير الأماكن، والبلد الحرام اختارها الله سبحانه وتعالى مهبطاً للوحي وقبلة للمسلمين وجعل فيها العديد من المناسك لعباده . وتضم مكة المكرمة العديد من المعالم الإسلامية المقدسة، من أبرزها المسجد الحرام وهو أقدس الأماكن في الأرض بالنسبة للمسلمين، ذلك لأنه يضم الكعبة المشرفة قبلة المسلمين في الصلاة، كما أنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، بالإضافة إلى ذلك، تعد مكة مقصد المسلمين في موسم الحج والعمرة.

ومن أبرز المعالم في المسجد الحرام، الكعبة المشرفة، موضع تعظيم وإجلال الناس والولاة على مكة المكرمة، يعمرونها ويجددون بنيانها عند الحاجة، ويكسونها، ويحتسبونه فخرًا وتشريفًا لهم، حتى جاء الإسلام فزاد في تشريفها، وحث على تعظيمها، وتطهيرها، وكساها النبي – صلى الله عليه وسلم – والصحابة من بعده. وشهدت الكعبة المشرفة عناية فائقة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ ، تمثلت في ترميم الكعبة ترميمًا شاملاً لم يحدث مثله منذ سنة 1040هـ، حيث جاء أمره الكريم بعمل ترميم شمل كل أجزاء الكعبة المشرفة من الداخل والخارج.

أما الحِجْر فهو الحائط الواقع شمال الكعبة المشرفة، وسمي حِجْرًا ؛ لأن قريشًا في بنائها تركت من أساس إبراهيم عليه السلام، وحجرت على المواضع؛ ليعلم أنه من الكعبة.

ومن المعلوم أن قريشًا حينما بنت الكعبة استقصروا من بنيان الكعبة المشرفة ، كما روت عائشة -رضي الله عنها- قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” إن قومك استقصروا من بنيان البيت ، ولولا حداثة عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه ، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي ما تركوه ، فأراها قريبًا من سبعة أذرع “. وفي عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ عمّر الحِجْر سنة 1397هـ تعميرًا في غاية الجمال والإتقان ، وفرشت أرضه بالحجر البارد ،

كما هو في أرض المطاف، وجعل على جداره ثلاثة فوانيس معدنية في غاية الجمال، تضاء بالكهرباء ، وبعد الترميم الشامل للكعبة المشرفة الذي تم في عهد الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – ، تمت إزالة الرخام القديم لجدران وأرضية الحجر، واستبداله برخام جديد ، كما تم تنظيف الفوانيس الموجودة على الجدران وإعادتها إلى موقعها السابق، وتم عمل حاجز من الحبال لمدخل الحجر متين القوام ، منمق الشكل يتناسب مع مكانة الحجر وتعظيمه ، ويفتح الحاجز بصورة دائمة ، ويغلق عند الحاجة فقط .

أما “الحجر الأسود” فهو يقع في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة من الخارج وهو نقطة بداية الطواف ومنتهاه، ويرتفع عن الأرض مترًا ونصف المتر، وهو محاط بإطار من الفضة الخالصة صونًا له، ويظهر مكان الحجر بيضاويًّا.

وأما باب الكعبة المشرفة يقع في الجهة الشرقية منها، وهو يرتفع عن الأرض من الشاذروان (222سم) ، وطول الباب نفسه (318سم) ، وعرضه (171سم) ، وبعمق ما يقارب نصف متر، وكان للكعبة المشرفة فتحة للدخول إليها، صنع لها باب، وهذا الباب له تاريخ طويل ربما يمتد قدم الكعبة المشرفة.

وفي عهد الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيّب الله ثراه ـ تم تركيب بابين للكعبة الأول كان عام 1363هـ ، حيث تم صنع باب جديد من الألمونيوم بسمك(2.5)سم، وارتفاعه(3.10)م ، ومدعم بقضبان من الحديد، وتمت تغطية الوجه الخارجي للباب بألواح من الفضة المطلية بالذهب، وزين الباب بأسماء الله الحسنى ، أما الباب الثاني: وهو الموجود حاليًّا ، وكان قد أمر بصنعه الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ من الذهب الخالص.

وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ ، تم استبدال الميزاب القديم لسطح الكعبة المشرفة بآخر جديد أقوى وأمتن بمواصفات الميزاب القديم نفسها.

** ماء زمزم
ماء زمزم المبارك المعجزة الخالدة والنبع المتدفق، ويعود تاريخ تدفق مياه بئر زمزم إلى زمن إسماعيل بن إبراهيم – عليهـما السلام ، ونالت البئر اهتمامًا مستمرًا من قيادة المملكة العربية السعودية التي خصها الله – عز وجل – وشرفها بخدمة الحرمين الشريفين خلال التوسعات المستمرة للحرم المكي الشريف وكان آخرها مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم، الذي أحدث نقلة نوعية وتغييرًا جذرياً إذ سهل هذا المشروع حصول الحجاج والمعتمرين على ماء زمزم وأزال الضغط والازدحام عن منطقة المسجد الحرام وأسهم في المحافظة على الصحة العامة بتأمين شروط التنقية والتعبئة والتوزيع الآمن لماء زمزم .

وأنشئ المشروع في منطقة كُدَيّ بمكة المكرمة بتكلفة تجاوزت 700 مليون ريال، لتقديم خدمة قرنها الله في كتابه العزيز بعمارة المسجد الحرام ، بهدف ضمان نقاوة مياه زمزم وتأمين وصولها لطالبيها بأيسر السُّبُل والتكاليف، وذلك بسحبها من البئر في المسجد الحرام وتنقيتها, ثم تعبئتها وتوزيعها آلياً بأحدث التقنيات العالمية .

ومن معالم المسجد الحرام مقام إبراهيم – عليه السلام – الذي يقع في صحن الكعبة المشرفة، وهو ذو مظهر بلوري مذهّب له العديد من الفضائل، ومنها أنه ياقوتة من يواقيت الجنة وورد ذكره في القرآن الكريم في قوله – عزّ وجلّ- (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ))، ووقف عليه إبراهيم عليه السلام كما أمره الله بذلك .

والمقام حجر أثري قام عليه النبي إبراهيم ـ عليه السلام ـ عند بناء الكعبة المشرفة لما ارتفع البناء ليقومَ فوقه، ويناوله ابنه إسماعيل – عليه السلام – الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار كلَّما كَمَّل ناحية انتقل إلى أخرى يطوف حول الكعبة ويقف عليه، وكلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي تليها حتى تم بناء جدران الكعبة المشرفة الأربعة .

وفي عهد خـادم الحرمين الشريفين الملك فهـد بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – رمم مقام إبراهيم عليه السلام ، وفي هذا الترميم تم استبدال الهيكل المعدني الذي كان مركبًا على مقام إبراهيم عليه السلام بهيكل آخر جديد مصنوع من نحاس ذي جودة عالية ، كما تم تركيب شبك داخلي مطلي بالذهب، وتم استبدال كساء القاعدة الخرسانية للمقام التي كانت مصنعة من الجرانيت الأسود ورخام بقاعدة أخرى، مصنعة من رخام كرارة الأبيض الصافي .

** الصفا والمروة
الصَّفَا والمَرْوَةُ جبلان يقعان شرقي المسجد الحرام ، ويعدان رمزين شهيرين لشعيرة السعي ، والمسعى هو طريق أو شارع شرق المسجد الحرام ، يحده الصفا جنوبًا والمروة شمالاً . والصفا والمروة جبلان بين بطحاء مكة والمسجد .

والصَّفَا : حَجَرٌ صُلْبٌ أملَسُ ، والصفا مكان مرتفع عند باب المسجد الحرام ، وهو أنف ، أي : قطعة من جبل أبي قبيس » .
أما المروة في اللغة فهي الحجر الابيض البَرَّاق وقيل : هي التي يُقْدَح منها النار ، والمَرْوَة هي حجارةُ النّارِ السُّمْرُ التي يُقتَدح بها، وربَّما سمِّيت الحجارة الرِّقاق البِيض التي تَبرُق في الشمس .

وبدأ التطوير في المسعى في العهد السعودي الزاهر عدة مرات كان آخرها في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ حيث وسع من ناحية الساحة الشرقية ليصبح عرض المسعى الكلي أربعين مترًا ، ومكون من أربعة طوابق .

والمطـاف هو الفناء المفروش بالرخام الأبيض الذي يحيط بالكعبة المعظمة، ويسمى الآن بالصحن، ويطوف المسلمون فيه حول الكعبة المعظمة ، وفيه الحركة متصلة آناء الليل والنهار، ما بين طائف وراكع وساجد ، لقوله تعالى ” وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ” الآية ، وسمي بالمطاف نسبة إلى الطواف وهو الدوران حول الكعبة المشرفة .

ولقد حظي المطاف بعناية واهتمام الخلفاء والملوك والحكام ، وكذا عمارته والزيادة فيه .

وفي العهد السعودي الزاهر توالت مراحل تطوير المطاف كان آخرها التوسعة الحالية للمطاف لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – وهي أبرز المشروعات في توسعة المسجد بشكلٍ عام وحرصاً منه – أيده الله – على تهيئة الأجواء المناسبة لخدمة ضيوف الرحمن، وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمطاف في جميع الأدوار إلى 107.000 طائف في الساعة .

ومن المعالم البارزة في المسجد الحرام “المنارات” ويعود بناء أول منارة للخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، حيث أنشأ منارة بباب العمرة أثناء عمارة المسجد في عهده سنة 139 هـ .

وتمت خلال العهد السعودي في التوسعة الأولى عام 1375هـ بناء العديد من المنارات، وأصبحت بارتفاع 89 مترًا مقسمة إلى خمسة أجزاء وهي القاعدة ، والشرفة الأولى ، وعصب المئذنة، والشرفة الثانية، والغطاء. حيث إنها بنيت على الطراز الحديث لتتلاءم مع العمارة الحديثة للمسجد ، بعد ذلك تمت إضافة منارتين على باب الملك فهد لتصبح تسع منارات، ويجري حالياً العمل على أربع منارات إضافية لتصبح بذلك 13 مئذنة موزعة على الأبواب الرئيسة للحرم المكي حيث تظهر كأكتاف بارزة لها، إضافة لبعض الأبواب الأخرى والأركان .

** مشروعات التوسعة
وقد شهد الحرم المكي الشريف منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله -– حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – العديد من مشروعات التوسعة ؛ حيث تعد التوسعة السعودية الثالثة التي دشنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – امتداداً للتوسعات التاريخية السابقة التي بدأت بأمر المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – رحمه الله – ، وأتمها الملك سعود بن عبدالعزيز، والملك فيصل بن عبدالعزيز ، والملك خالد بن عبدالعزيز، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمهم الله -،

والتوسعة الكبرى التي تستكمل في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله –، حيث يجري العمل حالياً على استكمال أعمال التوسعة السعودية الثالثة للمسجد الحرام بمعايير عالية تحقق سبل الراحة والطمأنينة لهم،

بحيث يصل استيعاب المسجد الحرام لـ 000 . 850 .1 مصل, والطاقة الاستيعابية للمطاف تصل إلى 107.000 طائف في الساعة، إضافةً إلى تأمين الخدمات الضرورية لتوفير الراحة لضيوف الرحمن وتجهيز دورات المياه والمواضئ؛ ليصبح العدد الإجمالي لها 16.300 دورة مياه وميضأة، مع توفير مشارب مياه مبردة داخل مبنى التوسعة والمطاف وفي الساحات الخارجية، وتشغيل السلالم والمصاعد الكهربائية لخدمة الحركة الرأسية ما بين أدوار المسجد الحرام، وتشغيل نظام التكييف والإنارة ونظام الصوت والمراقبة التليفزيونية وأنظمة مكافحة الحريق.

كما تشمل أعمال التوسعة السعودية الثالثة الكبرى للمسجد الحرام في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – مكونات رئيسة هي “مبنى التوسعة الرئيسي للمسجد الحرام، وتوسعة المسعى الذي افتتح سابقاً، وتوسعة المطاف والساحات الخارجية والجسور والمساطب، ومجمع مباني الخدمات المركزية، ونفق الخدمات والمباني الأمنية، والمستشفى، وأنفاق المشاة، ومحطات النقل والجسور المؤدية إلى الحرم، والطريق الدائري الأول المحيط بمنطقة المسجد الحرام والبنية التحتية وتشمل محطات الكهرباء وخزانات المياه وتصريف السيول”.

وتعدّ هذه التوسعة هي الأكبر على مدار التاريخ، حيث استخدمت فيها أحدث تقنيات البناء والأنظمة الحديثة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *