جدة ــ البلاد
تستعد العاصمة الروسية موسكو، الخميس المقبل لاستقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في زيارة تاريخية، تعد الاولي من نوعها، وتبرز اهمية العلاقات البلدين كونها تمثل اقوى التجليات السياسية العالمية، لجهة ان تلك العلاقات يعود تاريخها للعام 1926م.
وتجسدت متانة العلاقات السياسية بين المملكة وروسيا من خلال الزيارات واللقاءات التي ما انفك المسؤولون في البلدين يتبادلونها لإجراء المزيد من التنسيق وبحث وتعميق سبل التعاون الثنائي لتدعيم العلاقات بين البلدين في جميع المجالات ومختلف الميادين.
تاريخ :
ويعود تاريخ العلاقات السعودية-الروسية الى 1926، حيث لم يمضِ سوى شهر و10 أيام على تأسيس المملكة، حتى بادر الاتحاد السوفيتي السابق برسالة بتاريخ 19 فبراير 1926، أعلن فيها اعترافه رسمياً بالمملكة العربية السعودية، التي كان يطلق عليها آنذاك “مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها”، لتكون بذلك أول دولة في العالم تعترف بالمملكة، ففي عام 1932م قام جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – حين كان نائب الملك في الحجاز بزيارة للاتحاد السوفيتي.
وأسهمت الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله لموسكو في سبتمبر عام 2003م عندما كان ولياً للعهد في المزيد من دعم العلاقات التي تربط بين المملكة وروسيا حيث التقى خلال الزيارة فخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جو يسوده التفاهم والتعاون.
وجاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض، في فبراير 2007، وما أعقبها من زيارات للعديد من المسؤولين الروس إلى المملكة، لتشكل علامة بارزة في تاريخ العلاقات بين البلدين في الألفية الجديدة، وإضافة قوية لتمتين هذه العلاقات والارتقاء بها، حيث تم التوقيع على العديد من الاتفاقات بين البلدين في شتى المجالات، شكلت أرضية قوية لتعزيز التعاون في الميادين التجارية والاقتصادية والاستثمارية بين الجانبين.
لتأتي زيارة ولي العهد الامير محمد بن سلمان مطلع يونيو من العام 2015 لروسيا، محققه اكبر دفعه للعلاقة بين البلدين، بل مثلت علامة بارزة في تاريخ الافتعال السياسي والاقتصادي بين السعودية ورسيا.
تبادل تجاري :
وخلال 10 سنوات رفعت المملكة وروسيا حجم التبادل التجاري بينهما بنسبة تصل إلى 554 في المائة، أي بما يعادل 5.5 مليار ريال، بعد أن كان لا يتجاوز 992 مليون ريال في 2004 وارتفع إلى 6.5 مليار ريال في 2013. ويعني هذا، أن التبادل التجاري بين البلدين نما بمعدل 550 مليون ريال سنويا.
وبحسب بيانات رسمية فان متوسط قيمة التبادل السنوية خلال السنوات العشر بلغ نحو 3.6 مليار ريال.
يشار الى ان أهم السلع التي صدرتها السعودية إلى روسيا في عام 2013 كانت الدهانات بقيمة تصل إلى 31 مليون ريال نسبتها 21.7 في المائة من إجمالي قيمة الصادرات التي بلغت 143 مليونا. ثم الأدوية التي تحتوي على فيتامينات بـ20 مليون ريال، ثم البولي بروبيلين بـ18 مليونا. وتعد قيمة صادرات 2013 ثالث أعلى مستوى لقيمة الصادرات السعودية إلى روسيا، إذ كانت الأعلى في 2012 بقيمة بلغت 174 مليون ريال، ثم في 2011 بـ151 مليونا.
واحتلت روسيا في 2013 المرتبة 73 في ترتيب الدول التي صدرت لها السعودية بضائع وسلع من حيث القيمة.
وخلال عشر سنوات، قفزت روسيا من المرتبة 115 في 2004 إلى أعلى مستوياتها في 2011 عند المرتبة 65، أي أنها سبقت دول العالم في استقبال البضائع السعودية بـ50 مرتبة خلال ستة أعوام فقط. أيضا، نمت قيمة الصادرات السعودية إلى روسيا سبعة آلاف مرة خلال عشر سنوات، من مستوى مليوني ريال في 2004 إلى 143 مليونا بنهاية 2013.
واستوردت السعودية من روسيا بضائع وسلع في عام 2013 قيمتها الإجمالية 6.3 مليار ريال، ويعتبر هذا المستوى الأعلى في تاريخ التبادل التجاري بين البلدين. وجاءت روسيا في المرتبة 25 في ترتيب الدول التي استوردت المملكة منها خلال 2013.
وكانت أعلى مرتبة في عامي 2006 و2007 حينما كانت روسيا متقدمة بمرتبة واحدة إلى 24. أهم السلع التي استوردتها المملكة من روسيا في 2013 كانت الزيوت والوقود بقيمة إجمالية 1.7 مليار ريال، تمثل 27 في المائة من إجمالي قيمة الواردات، ثم الشعير (1.6 مليار ريال) ثم أسلاك النحاس (1.1 مليار ريال) ثم الحديد الصب غير المخلوط (552 مليون ريال).
ونمت ورادات السعودية من روسيا خلال السنوات العشر 541 مرة، من 990 مليون ريال في 2014 إلى 6.3 مليار ريال في 2013. يعني هذا، أن الواردات نمت في المتوسط خلال هذه الفترة بـ535.8 مليون ريال سنويا. الميزان التجاري شهد الميزان التجاري بين البلدين عجزا طوال فترة السنوات العشر حيث كان لمصلحة الجانب الروسي، ليصل بذلك إلى أعلى مستوياته خلال 2013، حيث يقدر العجز بـ6.2 مليار ريال، بعد أن كان عند 988 مليون ريال خلال 2004، أي أن العجز شهد نموا بـ5.2 مليار ريال خلال هذه الفترة
تلاقي :
وتلتقي المملكة مع روسيا من حيث إن لكليهما وزنا عالميا كبيرا يؤثر به على طبيعة ووتيرة التنمية في العالم. إذ يمتلك كلا البلدين إمكانات ضخمة من منتجات الطاقة، أي حوالي 10% من الإنتاج العالمي من الهايدروكربون الخام.
ومن الطبيعي، أن يكون لهاتين القوتين العالميتين مثل هذه القاعدة القوية من الموارد وتتشاطران مواقف متقاربة من المشكلات والأزمات العالمية، وتعززان تعاونهما الاستثماري الثنائي فيما بينهما، لا سيما في مجال الطاقة الذي يحتل أهمية خاصة بالنسبة للبلدين. ولعل هذا الوقت هو الأنسب لإعادة النظر في الوضع، والخروج في نهاية المطاف بمبادرة جادة لإعادة توجيه جزء من مواردهما الاستثمارية نحو بعضهما البعض، لا سيما أن الشركات الروسية ليست نشيطة وفاعلة، كما يجب أن تكون، للاستفادة من الفرص الاستثمارية الضخمة في المملكة.
وهناك أيضًا، فرص كبيرة للاستثمار في روسيا، يجري استغلالها في الوقت الحاضر لتنفيذ عدد من مشاريع البنية الأساسية والمشاريع التنموية الكبرى في البلاد، كان منها مشروع سوتشي، الذي تتجاوز قيمتها الإجمالية الـ 10 بلايين دولار، والتي أسند نصفها إلى القطاع الخاص، وهناك مستثمرون سعوديون منخرطون في هذا النشاط، توقّعوا عوائد مرتفعة وسريعة نسبيًا من أصولهم الاستثمارية في هذه المشاريع.
وتنظّم روسيا، أنشطة ومباريات كأس العالم لكرة القدم لعام 2018، وسيكون من الضروري أن تنشئ استادات وملاعب رياضية جديدة، وتطوير الاستادات القائمة، وإنشاء الفنادق وخطوط المواصلات ووسائل الإعلام، للنهوض بأعباء هذا الحدث العالمي على أكمل وجه، وكل هذا فتح المجال واسعًا لفرص استثمارية ضخمة وواعدة نتطلع للترحيب بالمستثمرين السعوديين للحصول على حصة منها.
نقطة تحول :
مثل العامين 2009 و2010 نقطة تحول في تاريخ العلاقة بين البلدين ، إذ إن انخفاض الطلب المحلي وتناقص التمويل داخل روسيا، دفع الشركات الروسية للتفكير في إيجاد أسواق خارجية جديدة، وتحول اهتمامهم إلى المملكة العربية السعودية، التي لم تتأثر كثيرًا كما تأثر غيرها بالأزمة المالية.
وأظهرت الشركات الروسية المتوسطة الحجم نشاطًا كبيرًا، ورغبة أكيدة في الدخول إلى المملكة. وخلال الفترة 2009 – 2010، أقيم أكثر من خمسة عشر مشروعا روسيًا سعوديا مشتركا، وسجلت شركات روسية عدة شركاتها التابعة في المملكة، حيث تركز نشاط هذه الشركات المتشوقة للمشاركة في مشاريع البنية الأساسية في المملكة في مجال الإنشاءات والخدمات.
كما أقيمت مشاريع روسية سعودية مشتركة في دول ثالثة جمعت بين التقنية والخبرات الروسية ورأس المال السعودي.
وأعلنت إدارة صندوق الاستثمارات السعودي وإدارة نوفار كابيتال عن خطط لاستثمار حوالي 750 مليون دولار في مشروع أورال الصناعي القطبي الضخم بمنطقة الأورال الذي يتضمن إنشاء مجمع صناعي وبنية أساسية فريدة لتعزيز التنمية والتطوير والاستفادة من القاعدة الصناعية القائمة في الأورال، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية.
ولا شك أن جميع القطاعات الاقتصادية في روسيا تنطوي على فرص استثمارية لا حد لها مثل مشاريع التنمية والتطوير في منطقة الشرق الأقصى، وشق الطرق، والاستثمار العقاري، وبناء السفن وصناعة الطائرات، وإنشاء مدينة أبحاث في سكولكوفو التي ستتضمن إنشاء مراكز تعليمية وعلمية ومراكز أبحاث ومختبرات، حيث سيتم جذب الاستثمارات من جميع أنحاء العالم لا سيما في تطوير منتجات الملكية الفكرية والمنتجات المبتكرة.
نشاطات :
ولا تقتصر العلاقات السعودية الروسية على الجوانب التجارية والاقتصادية فحسب بل تتعداها لتشمل الجانب الثقافي والرياضي.
ففي نوفمبر عام 1995م شهدت العاصمة الروسية موسكو افتتاح قسم الأمير نايف بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية بجامعة موسكو وفي سبتمبر عام 2001م افتتح سفير خادم الحرمين الشريفين في موسكو جناح المملكة العربية السعودية في معرض الكتاب الدولي بموسكو وتم من خلاله إطلاع الرأي العام الروسي على المنجزات الحضارية الكبيرة التي تحققت في المملكة بجهود قادة هذا البلاد وفقهم الله إضافة إلى مشاركة المملكة في معارض أخرى أقيمت هناك.
كما استضافت الأكاديمية الإنسانية الاجتماعية الروسية في موسكو في مارس 2002م مهرجانا ثقافيا بعنوان يوم الثقافة السعودية شاركت فيه مجموعة من الشخصيات الثقافية والاجتماعية العربية الروسية وعدد كبير من رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية المعتمدين لدى روسيا الاتحادية.
وتقوم الأكاديمية السعودية في موسكو منذ تأسيسها في عام 1992م وحتى اليوم بدور كبير في نشر التربية والتعليم والثقافة العربية والإسلامية وسط العرب والروس هناك.
وبدأ التعاون بين المملكة العربية السعودية وروسيا في المجال الفضائي حيث أطلقت المملكة بمساعدة روسيا عددا من الأقمار الصناعية إلى المدار الجوي.
وفي المجال الرياضي تم في التاسع والعشرين من شهر مايو عام 2006م في موسكو التوقيع على برنامج التبادل الرياضي بين الرئاسة العامة لرعاية الشباب والوكالة الفيدرالية للتربية والرياضة في روسيا.
صفقات :
كشف صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي عن توقيع 9 صفقات استثمارية بين روسيا والسعودية بقيمة مليار دولار في قطاعات مختلفة، تشمل البنية التحتية والبتروكيماويات وقطاعات أخرى.
وكانت المملكة ورسيا قد أطلقتا بعد زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا في عام 2015، صندوقا استثماريا مشتركا بقيمة 10 مليارات دولار لتمويل مشاريع مختلفة في روسيا.
وأثمرت هذه الشراكة، بحسب ما أعلنه كيريل دميترييف رئيس صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي عن 9 صفقات استثمارية تبلغ قيمتها مليار دولار، سيعلن عنها خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى روسيا الأسبوع الجاري، والتي توصف بالتاريخية.
ولم يكشف دميترييف تفاصيل هذه الصفقات، حيث اكتفى بالقول خلال مؤتمر صحفي عقد امس الاثنين: “أستطيع القول إن حجم الصفقات التي نفذناها حتى الآن يقارب المليار دولار، وهي في قطاعات نامية”، ملمحا إلى أن بعضها في البنية التحتية مثل مشروع لتشييد طريق في العاصمة موسكو.
بالتزامن مع توجه المملكة للاستثمار في روسيا، يتطلع البلدان لتوسيع تعاونهما في مجال الطاقة، وفي هذا الإطار سيتم الكشف خلال زيارة العاهل السعودي إلى روسيا عن صندوق استثماري جديد، تمنح السعودية في إطاره مليار دولار.
ويضاف للصندوق الحالي (10 مليارات دولار)، ويتخصص في الاستثمار بمشاريع للطاقة، وتحديدا في الخدمات النفطية، حيث من المخطط أن يمنح عملاق الطاقة السعودي “أرمكو” من خلاله عقود خدمات وتوريد معدات للشركات الروسية.
وأضاف أن منتدى أعمال سعودي – روسي سينعقد الخميس، قبل القمة بين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين
ويعد الاتفاق نقطة مهمة في علاقات البلدين، ولا يقتصر أثره على روسيا والسعودية بل يمتد إلى الأسواق العالمية، حيث أدى الاتفاق إلى انتعاش أسعار النفط في الأسواق العالمية.