في الطائرة صوت مُرتفع يُسمع من بُعد ” ضحِك” … بل ” قهقهة ” لطفلٍ مُدّلل بعد أن شاهد في الطائرة طفل بسيط ينتعل حذاءً متهرئ؛ وقميص لا يقل حالاً عن حذاءه ؛ بعد دقائق كابتن الطائرة يُعلن عن الاستعداد للإقلاع….والمُضيفة تتأكد أن الجميع قد ربط حزامه ..وقد فعلوا إلاّ ذلك الطفل المُدّلل الذي لم يُحسن ربط حزامه.
الطائرة تُحّلق في منتصف الرحلة..والمضيفة مُجّدداً تمُر بعربة الوجبات السريعة في الدرجة السياحية وتبدأ بالطفل البسيط ؛ حوار بــ اللغة الإنجليزية يدور بين الطفل والمضيفة ينتهي بوجبة في يد الطفل و ابتسامة عريضة في وجه المضيفة إعجاباً بثقافة ذلك الطفل ..! في الجانب الأخر الطفل المُدّلل…لا يُحسن شيء فلا لباقةً في الطلب ولا لغة في اللسان لا عربية ولا أعجمية ؛
تصل الرحلة إلى حيث وجهتها ؛ أُغادر المطار وتُغادر معي علامات التعجب ؛ في المساء أُلبّي دعوة صديق لحضور حفل تكريم الفائزين في مسابقة الأطفال الثقافية ؛ مُقدم الحفل ..يقرأ إسم الفائز الأول …المفاجأة تهطل فمِن أخر الصفوف يتقدم الطفل الذي كان معي في رحلة الذهاب ” الطفل ذو الحذاء المهترئ” ليُكرّم بجائزة أفضل قصة…!!
سألت صديقي لاحقاً عن ذلك الطفل فــ أجابني إنه مُبدع لا يملك مالاً جاء هُنا بعد أن دفعنا له ثمن التذكرة ؛ عندها سألت نفسي كم من أطفالنا اليوم غني فكرياً لا يملُك المال وآخر فقير ثقافياً لا يملك ” إلاّ المال” ؛ سألت نفسي أيضاً كيف ينظر أولياء الأمور إلى أطفالهم ، وكيف ينظر الأطفال إلى أولياء أمورهم، وبدورهما، كيف يَرَيان دور المجتمع .
**
خاتمة..
حالة مجتمعنا في تربية الأطفال تحتاج إلى مزيد من التأمل والتفسير لنصل إلى المبادرات الخلاّقة الساعية إلى بناء الشخصية وتكوين المهارات لأطفالنا ؛ وبصدق عميق جداً علينا أن نبدأ مراجعة تلك الطرق التي نُربي بها أطفالنا وعلينا بذل جهود متواصلة في هذا الاتجاه ؛ ولنُعلّم أطفالنا أن الحذاء الذي ينتعلونه اليوم لن يكون مناسباً لهم بعد 20 عاماً ؛لنعلّمهم أن القميص يصغر إذا كبُر الجسد؛ لنعلّمهم أن العقل وحدُه كلما كَبُر كبروا معه حتى لو كانوا أطفالاً.
عتيق الجهني
[email protected]