ملامح صبح

الشعر وموضة التجديد (2)

رؤية : العربي نيتشه

هل قال شعراء الثمانينات والتسعينات كل مالديهم من شعر يستحق أن يشار إليه على أنه من الشعر المجدد ؟.
الصحيح أنهم لم يقولوا كل شيء ، وكانت تتجاذبهم أسباب عدة تجاه هذا الأمر ، من ضمن هذه الأسباب :

١ – سلطة المحرر ، فالقناة الوحيدة التي كانوا يتناوبون الدخول إليها هي المطبوعة ، وهذه المطبوعة قد تكون أسبوعية ، وقد تكون شهرية ، الأمر الذي يجعل الشاعر في حيرة من أمره ، هل يقدم مالديه فيخسر قصب السبق في التجربة التي قد لا تقدر من المحرر ؟ أم ينتظر ؟ وكان الانتظار من الصعوبة بحيث يتخوف الشاعر من أن يسبقه أحد إلى مالم يقل ..!!!.

٢ – الخوف من نتيجة الزج بهذا النص أو ذاك بين يدي الجماهير التي كان بعضها ينبذ كل جديد ، ولا ننس كمية السخرية التي حصلت لنص فهد عافت ( كيمياء الغي ) ويعرف ذلك من يتابع ردود الأفعال من خلال وسائل التواصل الاجتماعي حديثا ..!!!.

٣ – عدم تحمل النص العامي لثقل التجربة نفسها ، فالمعروف أن تجربة الحداثة بدأت بالنص الفصيح ، ثم تطورت ، حتى ٱل الأمر إلى النص العامي ، وإن كانت التجربة اللبنانية سابقة على التجارب الأخرى ، وذلك أن النص الحديث يفترض فيه سمات محددة ، لعل من ضمنها الرمز ، والرمز في النص العامي كان غائبا قبل مجيء رواد التجربة في شكلهم الجمعي ، إلا ما كان من تجارب البدر الفردية ، والتي سبقت تجربة الثمانينات ومن جاء بعدهم .

٤ – إيمان بعض الشعراء بأن استثمار أوقاتهم في كتابة نص عامي ( جديد ) هو استهلاك لهم ولأوقاتهم ، وهو الإيمان الملبس ( كما يحلو لي تسميته ) فقد لبس عليهم من خلال أصحاب النظرة الدونية لهذا الأدب ، أو من خلال شعورهم بالنقص حيال اللغة المحكية ، فاللغة المحكية عادة هي لغة الشارع ، وهذا لا يتناسب وما يتطلع إليه أصحاب هذه النظرة .

٥ – تطلع البعض من هؤلاء الشعراء إلى التجريب في الفنون الأخرى ، كالقصة والمسرحية والرواية ؛ ولذلك تجد بعضهم قد بدأ قارئا نهما في الفن الروائي ، إلا أنه بعد ذلك غلبت عليه العجمة ( كما يقولون ) فامتهن الرواية ، ليس لأنه الفن الوحيد الذي يجيده ، بل لأنه يريد الخروج من أقصر طريق يعبر إلى النص الفصيح .

٦ – رغبة بعض هؤلاء الشعراء في التعبير عن أحاسيسهم بطريقة سطحية ومباشرة ، لكن هذه الرغبة تتعارض وما حملوا من مسئولية النهوض بالنص العامي لٱفاق جديدة ، فتجد بعضهم ربما كتب عشرة نصوص مباشرة ، ولا تخلو من جماليات في الواقع ، وقد يلقيها في مجالسه الخاصة ، وربما ألقاها في الأمسيات العامة ، لكنه يتحرج من نشر نص واحد مباشر ، حتى لا يقال عنه بأنه ليس مجددا .

كل هذه الأسباب وغيرها مما لا يحضرني الآن ، كان وراء عدم نقل كل ما لدى شعراء الثمانينات والتسعينات ، وفي الغالب أن مايمكن ذكره عن التجربة الجمعية يمكن أيضا ذكره فيما يختص بالتجربة الفردية ، التي سبقت تجربة أولئك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *