ملامح صبح

الإبداع كالسلاح .. محمد صلاح : المبدع من يعطي أهمية للمتلقي البسيط ولايتعالى عليه

رؤية – محمد صلاح

الحديث عن الإبداع وماهيته وكيفياته وشؤونه هو حديث ذو شجون بالنسبة لي ذلك أنه كما الحديث عن الشعر الذي قيل ويظل يقال عنه الكثير ويظل الناس يتفقون ويختلفون حول ماهيته ، لكن يظل أجمل تعريف للشعر أنه الشعر ! بمعنى أنه من الصعب الإحاطة بماهيته طالما أنه يوجد مبدعين يجعلون بنتاجهم الإبداعي الكبير أي تعريف هو محض محاولة كلام في الشعر، وفي الجانب الآخر هناك نظامان يجعلان بنتاجهم الهزيل أي تعريف جميل للشعر هو محض عبث ..

وفي نفس الوقت نجد أن لكل من الفريقين من يعجبون بنتاجهم ويعتبرون أنه هو الشعر الحقيقي .. وهو نفس الأمر بالنسبة للإبداع ، فما قد أعتبره أنا إبداعاً قد يعتبره غيري ليس كذلك ، والعكس صحيح .. ومن ثم فإن من أراه مبدعاً قد يرى غيري بأن الإبداع بريء منه ..

شخصياً أعتبر بأن كل من اتفقت النخب الفكرية على إنه إبداع فهو كذلك إلى حد كبير ومن ثم المبدع هو ذلك الذي يرضي الذائقة الرفيعة ويستطيع أن يدهشها أو يفتنها ويأخذها معه إلى حيث يشاء عبر فضاءات تحليقه .. لكني لا أستطيع أن أبعد عن فكري بأن ذلك فيه تجاهل للمتلقي البسيط الذي له مبدعه وله ما يعتبره إبداعاً ..

لذلك أعتقد بأن المبدع هو أيضاً ذلك الذي يعطي أهمية حتى للمتلقي البسيط ولا يتعالى عليه في نفس الوقت الذي لا يتنازل له إلى الحد الذي يخل بالعمل الإبداعي ، لكنه وبوجود الذكاء والحذاقة الفكرية يستطيع أن يستدرجه ويغري روحه وفكره من حيث التناول أو الأسلوب البعيد عن التعقيد والتعمية ..والإبداع في رأيي هو ما استطاع منتجه أن يدهش الكل ، النخب والبسطاء من غير أن يصدم أو يصد أولئك بتسطح، ولا هؤلاء بتعمد ما يتضاد مع إيمانهم أو قيمهم..ومن منظور آخر:الإبداع هو أن تجلد نفسك بشارع عام ..

والناس يمرون بك ولا يلتفتون ولا يهتمون إلا أربعة منهم ، أحدهم يسألك بتعجب : أنت مجنون ؟! أما الثاني فأنه يقول لك مشفقاً : يا أخي أرحم نفسك ! والثالث يقول لك ناصحاً : عيب عليك ، أستح على وجهك ..أما الرابع فإنه صديقك الذي يقاربك بكل فداحاتك ، سيقف يقرأك إلى أن تنتهي ! ومن هنا فإني أذهب إلى أدونيس – الذي لا أتفق مع كل ما يطرحه – متفقاً مع قوله(الإبداع دخول في المجهول ، لا في المعلوم)والدخول في المجهول يعني عدم القصدية ، ومن ثم عدم تعمد وضع ما قد يجيء ضد الدين أو الأخلاق في العمل الإبداعي ، لكن الأمر إذا حدث فهو يفرض نفسه طواعية تبعاً لقضية العمل الأدبي وسياقاته وحالاته وبدون أن يضع المبدع في ذهنه أنه أرتكب أمراً فرياً لمجرد شد الأنظار لعمله وعمل ضجة كمن يعمل حادثا في شارع ويجتمع حوله الناس..

وكلما تقصد الكاتب أو الشاعر أن يجعل نصه مدججاً بما هو ضد الدين أو القيم فإنها تصدق عليه تهمة (خالف لتعرف) ولن يكون عمله إبداعاً بل فذلكة وبذاءات ..ذلك الإبداع هو تماماً كما هو عمل المبدع بصناعة أو اختراع آلة متطورة ولنقل مثلاً السلاح، أي سلاح .. ومن أبدع في صناعة السلاح لو وضع في رأسه أن صناعته تلك سوف تستخدم في القتل ظلماً وعدوناً وإجراماً ربما لم يقدم على فعلته تلك ..وأن أذكر السلاح فلكي أصدم إلى أبعد حد إن استطعت .. ليقال: ما دخل السلاح والقتل في الحديث عن الإبداع وماهيته .. وإن وجد من يواجهني بهذا التساؤل فسأقول له: وما دخل الإبداع في الضلال من تجديف أو انحلال ؟.
الإبداع في حد ذاته كالسلاح .. والمبدع في الأدب كالمبدع في صناعة السلاح إنه لم يصنعه لترتكب به جريمة قتل ، لكنه صنعه لقتل من يستحق القتل جزاء له وردعاً لأمثاله.. وإذا كانت العبرة في أمر السلاح بالاستخدام فإن العبرة في أمر الإبداع هي بالفهم ، وعند وجود الفهم نستطيع أن نفرق بين ما يجيء كضرورة خدمة العمل الأدبي وبدون تعمد ، وبين ما هو ضلالات بالفعل بتقصد مسبق ومن ثم نفرق بين الإبداع وبين المحاولات البائسة لشد الأنظار والإثارة والمخالفة بقصد المخالفة ، أي الذهاب للمعلوم ، وهو ما ينتفي معه الإبداع .بقي أن أقول بصدق في الختام بأن كل ما سبق قد لا يمثل قناعاتي النهائية عن هوية الإبداع وكيفية المبدع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *