محليات

افكار الملك سلمان منهج راسخ ورؤى تستشرف المستقبل

طلال بن حسين قستي

رئيس تحرير مجلة الحج والعمرة

ثوابت العقيدة، والرؤية السديدة للحاضر والمستقبل، ونضوج التجربة عبر السنين، والإدارة الواعية لحاكم رفيع المقام طيّب الذكر.. هي سمات أصيلة في شخصية الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ تعبّر عنها أفكاره ورؤاه وآماله العريضة للارتقاء بالوطن الغالي، والنهوض بالمجتمع السعودي في مسيرته التنموية والحضارية، التي ترسخت أسسها منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ طيّب الله ثراه ـ وصولاً إلى هذا الحاضر المشرق.

فهذا هو خادم الحرمين الشريفين الذي عمل وما يزال يعمل على نهضة بلادنا الغالية، يؤكد اليوم بأعماله العظيمة صدق ما كان يدعو إليه ويحث على تحقيقه لمصلحة الوطن منذ أعوام طويلة، فما نراه من إنجازات وما نشاهده من خطط تنموية، وإصلاحات اجتماعية، هي نتاج فكر سليم ورؤية ثاقبة للمستقبل.
قبل 39 عاماً عندما كان خادم الحرمين الشريفين أميراً لمنطقة الرياض وفي زيارة فريدة من نوعها، لتفقد أحوال أبنائه الطلاب المبتعثين في أمريكا.. تشرفت بحضور جميع اللقاءات وقمت بتسجيل كل ما قاله في حواراته الثلاثة مع المبتعثين، والتي عقدها في ثلاث مدن أمريكية.. وهي التي ستكون أبرز ما سيتضمنه كتابي القادم بعنوان (من ذاكرة المبتعث السعودي بأمريكا) بإذن الله. واستطيع القول ان الملك سلمان وبكل ما قدمه من أفكار ورؤى منذ تسلمه مقاليد الحكم في المملكة، كانت خلاصة فكر سياسي وإداري وثقافي رفيع، وقد لفت انتباهي أن ما عبّر عنها من رؤي في ذلك الوقت، هي ذاتها الأفكار والرؤى العظيمة التي يحرص على تطبيقها وانفاذها الآن في رحاب بلادنا الغالية والمحيط العربي والإسلامي بحكم مكانة وأهمية المملكة في عالمنا المعاصر.
واليوم وقد مضى على تلك الحوارات ما يقارب (39) عاماً، ولتأكيد عمق وصلابة الرابط في فكر خادم الحرمين الشريفين ـ يحفظه الله ـ بين الأمس واليوم، ولقناعتي بأن ما دار من نقاشات في تلك اللقاءات يعبّر عن فكر سديد، وعمق في تقييم وموازنة متطلبات الحكم في بلادنا، وقوة الحجة المبنية على سعة معرفته بالأوضاع المحلية والدولية، فإنني أورد فيما يلي بعض الرؤى والأفكار التي وردت ضمن لقاءات خادم الحرمين الشريفين بالمبتعثين التي أشرف على تنظيمها عدد من أصحاب السمو الأمراء أذكر منهم صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان – حفظه الله – وفق ما نُشر حصرياً في مجلة المبتعث بالعددين رقم (5 ـ 6) لعام 1400هـ، والتي كنت وقتها رئيساً لتحريرها، وبجهد سعادة الملحق التعليمي آنذاك الأستاذ صبحي الحارثي، تمت موافقته الكريمة على نشر الحوارات بالكامل دون تعديل أو حذف.
وها نحن نسترجع هنا ما نشر من أفكار ورؤى، وتطلعات كان -يحفظه الله- يرنو لتحقيقها في وقت مبكر، خاصة في تلك الفترة المهمة من تاريخ المملكة، في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز، رحمه الله، وسمو ولي عهده الأمير فهد بن عبدالعزيز (خادم الحرمين الشريفين) رحمه الله، وفي ظل ظروف وأوضاع دولية غاية في الدقة، والحق يقال أن تلك اللقاءات التي تمت مع المبتعثين وما تلى ذلك من قرارات هامة لصالح المبتعثين من المنجزات الهامة التي نتجت عن تلك اللقاءات. وتضمنت بعض أبرز تلك الأفكار التي وجهها خادم الحرمين الشريفين لأبنائه المبتعثين بكل شفافية أنه فرد من أسرة خادمة لا حاكمة تفعل ما تقول وأن العقيدة تدعو للتطور والعمل وتنبذ ما يضر بالإنسان وأن أي مسؤول يستغل نفوذه لمصلحته الشخصية يعزل من منصبه. كما أكد، حفظه الله،على تطوير المجتمع تدريجياً وبخطى ثابتة لتلافي السلبيات وأن الدولة لا تنطلق من فراق إنما من خلفيات دينية وتاريخية عظيمة، ومن وطن هو منبع الإسلام والعروبة الصافية كما تعتني بالمبتعثين وتدخرهم لخدمة دينهم ووطنهم والاسهام في نهضته وقال، رعاه الله،:نحن ضد التعصب كما نحن ضد الإباحية ولا أفرق بين الدولة والمجتمع، فالدولة قائمة لخدمة المجتمع، لا دولة بدون مجتمع ولا مجتمع بدون دولة.. وليس من المناسب إطلاقاً أن تصدر أنظمة ويعرف المسؤول أنه ليست هناك الأجهزة الكافية لتطبيقها، فعندما نريد أن نصدر أنظمة يجب أن نعرف أن عندنا أجهزة كافية لتنفيذها.
كما تطرق خادم الحرمين الشريفين للتحديات التي تواجه المملكة بقوله:أقول كدولة وكأسرة خادمة ـ لا حاكمة ـ وكشعب.. نحن مستعدون أن نفنى في سبيل بلادنا، ولابد من مجابهة الدعاية المضادة واختلاق الأحداث ونسبتها لهذه الدولة وهذا الشعب ونحن نتعرض لحملات شرسة لمواقفنا من قضايا المسلمين والعرب، وهذه حقيقة يجب أن نعرفها.. ومصر كانت وستظل في قلوبنا جميعاً ونحن لا نفرط في حقوق الفلسطينين. وفي نظرة استشرافية قال ، حفظه الله :” هناك مشاريع لمدن الملاهي، ومجالات الترفيه البريء في مدن المملكة، وأنا أوافق على وجود الوسائل السليمة التي تجعل المواطن يقضي إجازته داخل وطنه وبالنسبة للمسرح أعتقد الآن بدأت عندنا محاولات حديثة للمسرح، لأن المسرح جديد علينا”.
كما تحدث عن المرأة والمثقفات ودورهن وعن ظاهرة الرشوة.. وعن سياسة المملكة البترولية قال ، حفظه الله:”متى وجدنا أن مصلحة بلادنا خفض إنتاج البترول.. خفضناه، ومتى وجدنا أن من مصلحة بلادنا رفع الإنتاج.. رفعناه.”
كما تناول الإصلاح بقوله:”هناك أشياء كثيرة في المملكة يجب أن نصلحها، ونسعى إن شاء الله لإصلاح أنفسنا وإدارتنا وإصلاح مجتمعنا .. وان إيجاد القواعد والأنظمة الصالحة هي التي تبقى لأبنائنا وأحفادنا” مؤكدا ،رعاه الله، على مساعدة الدول النامية والدول الإسلامية والعربية والتعامل مع العالم أولاً لمصلحة المملكة ومصلحة شعبنا، وثانياً لمصلحة المسلمين والعرب مبشرا المبتعثين بقوله:”سترون في المستقبل إن شاء الله في بلادكم ما يسركم ويجعلكم فخورين بها، كما أنتم الآن”.
ومن الحاضر المشرق، حيث يقود خادم الحرمين الشريفين ـ يحفظه الله ـ دفة الحكم، ويهتم بكل جوانب الحياة المعيشية للمواطن السعودي، ومشاريع التنمية والتطوير، لبلوغ المكانة التي تستحقها بلادنا الغالية بين دول العالم المتقدمة، وهي ولله الحمد إحدى الدول العشرين الأقوى اقتصادياً في العالم (G20 ).. وخلال متابعتي لخطابه الأخير في مجلس الشورى بتاريخ 13 /12 /2017م، تداعت إلى الذاكرة تلك الرؤى القديمة المتجددة، وثبت في يقيني رسوخ منهج خادم الحرمين الشريفين ـ رعاه الله ـ ونظرته الثاقبة الاستشرافية.
ومما تضمنته الكلمة إعادة هيكلة بعض الأجهزة الحكومية وتعزيز أمن الوطن ومكافحة الفساد تحقيقاً لأهداف الرؤية وتثمين القطاع الخاص شريكاً مهماً في التنمية ودعم الاقتصاد الوطني والتوسّع في توظيف شباب الوطن وشاباته وتوطين التقنية وتوجيه الوزراء والمسؤولين لتسهيل الإجراءات ورفع جودة الخدمات وتوفير المزيد منها والتوسع في برامج الإسكان وتشكيل اللجنة العليا لقضايا الفساد لتحقيق النهضة والتنمية.
كما أكد ،حفظه الله أن الفاسدين قلة قليلة، وما بدر منهم لا ينال من نزاهة مواطني هذه البلاد الطاهرة،ولا تعارض بين ثوابتنا وتطوير حاضر بلادنا وبناء مستقبلها ولا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً، ويستغل العقيدة السمحة لتحقيق أهدافه ونحن حماة الدين وشرّفنا الله بخدمة الإسلام والمسلمين وأن المملكة ستواصل دورها الريادي في التصدي لظاهرة الإرهاب وتجفيف منابعه وأن بلادنا تحظى بتقدير إقليمي وعالمي، وأسست لعمل دولي وإقليمي مشترك يهدف لتحقيق أمن واستقرار منطقتنا والعالم كما دعا، حفظه الله، إلى الحل السياسي للخروج من أزمات المنطقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وجدد استنكار المملكة للقرار الأمريكي بشأن القدس مؤكداً العمل مع حلفاء المملكة لمواجهة نزعة التدخل في الشؤون الداخلية وتأجيج الفتن الطائفية، وترسيخ قيم التسامح والتعايش.
حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسدد خطاهما لتحقيق ما يتطلعان إليه من خير وعزة للوطن والمواطنين..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *