الأرشيف

اصطفاء

شعر: عبدالله عطية الحارثي

رؤية : ماجد الغامدي

يدينُ المتذوقُ للشعرِ بالفضلِ في إثارة عالم الجَمال ليمتد إلى أعماق الروح ورياض الذائقة وجنة الأحلام ، وهكذا كان شاعرنا يأخذنا إلى بوابات الجمال ويلِجُ بنا إلى أعماقه.افتح على هذا المدى الممتد بوابة قمرك ، حاول تشكل صورة أحلامك، حاول تكون اقرب ، قم غن هذا الليل…في تدرّج مشوّق وأخاذ إلى أُفقِ الصفاء والآمال والإبحار في حوار ذاتي يُسمعُ العشاق (والعاشقون رفاقُ..) ويختصرهم في خطاب الذات لذلك جاءت القافية في الشطرين مبنيّه على كاف الخطاب ، ثم من منبر العشاق (الليل) يطلق بوحَه دون أن يشتكي غولَ هجرٍ أو طولَ ليل أو عناء سهاد كدأبِ العشاق بل يبدأ باستشراف القمر بكل ما يوحيه من جمال ونجوى ومنادمة .لقد أراد أن يبثّ إحساسهُ الذاتي بما فيه من صبابات وشجن و تَوق للجَمال بشعاعِ الأُنس وضوءِ سميرِ المحبين ليكون ذلك مؤيداً لمسيرة العشق و طول التجربة التي أراد لها أن تكون أنموذجاً للعشاق ومساراً للمحبين .الِفنا أن يشتكي العاشق طول ليلِه وهجْرَ محبوبه وبُعْدَ مزارِه ربما ليثبت صدقَ عشقه و عِظمَ معاناته ، ولكن شاعرنا هنا يخالف ذلك كله فيصور المأساة كنافذة للبوح ويجعل وحشة السهر مِنحةً خاصة لأهلها كما يقول ابن الفارض (وإلاّ فالغرامُ لهُ أهلُ..)لامر حادي الليل في ثوب التجلي واصطفاك لم يكن الأمرُ مجرد عنوان للقصيدة (اصطفاء) إنه إلماح إلى روح المعنى ورسالة القصيدة ..لذلك تراه يجسد الجمال بأهمية القبيح المُقصى من دائرة الجميل كما يقول (نيتشويه) فاغتنمَ الاصطفاءَ بعطرِ البوح لا تنهيدةَ المحروم وطولَ الليل بنجوى القمر لا أرق السهر ، يؤكد ذلك شاعرنا بأجمل الصور وأرروع الأساليب فيقول:
قم غن هذا الليل (إن رأيتَهُ موحشاً) وآنِسْهُ بسيرة ضياك ..!
وينفثُ الأملَ من جديد بكل ما للروحِ من إشراق فيقول :
وقل للعصافير ان خذلها الليل لاتهجر شجرك
فإن لم تؤنس (سيرة ضياك) وحشةَ الليل فلابد أن تُبقي بلابلَ الروحِ تنتظرُ صباحاً مورقاً وتترقبُ أملاً مُشرقاً يبعثُ البهحةَ والتطلّع.هكذا أراد شاعرنا المبدع الفريد باستفتاحه المؤنس والاصطفاء وسيرة الضياء والشذا المعتّق وأول الثمر وعطر البوح ونفحة الزهر ليوصل رسالتَه لرفاقِه العشاق بين العزف والنزف فيتجاوز خطاب الذات ليشمل العشاق في منحةِ السهر وجنةِ الحب وأُنسِ القمر ..
وافتح لعشاق السهر والليل بوابة قمرك
القصيدة ممتعة حد الانتشاء وتستحق تأملاً أعمق في مشاهدها وبهجة تفاصيلها ،وشاعرُها رائقُ الإحساس عميقُ الشجن وتأملوا ..قل للعصافير ان خذلها الليل لاتهجر شجرك ، وأبحروا في قوله : من غير هذا الحزن شد من آخر اعماقك وترك.

 

افتح على هذا المدى الممتد بوابة قمرك
لامر حادي الليل في ثوب التجلي واصطفاك
وحاول تشكل صورة احلامك وكينونة قدرك
حاول تكون اقرب بحلمك للثريا والسِّماك
وقم غن هذا الليل ، هذا الليل موحش لو سهرك
وارخى سدوله وانت تنسج للمدى سيرة ضياك
وقل للعصافير ان خذلها الليل لاتهجر شجرك
كم لك ترتب من غصونك لاجلها قوتك وماك
والموعد اللي كان يرسم في شبابيكه صورك
احفظ ملامح وجهه المهجور لو وجهه نساك
واللي خذوا من سدرة ايامك وغابوا عن نظرك
مافي يديهم من شعاع الشمس ماينبت ثراك
كم سولفوا بك في غيابك كم تناموا من مطرك
كم من بساتينك تهادوا بالمعتق من شذاك
واخرج من اسوار الهقاوي لاتبيع لمن هجرك
حلمك ، ولا تصغر عن طموحك ولا تكسر عصاك
ماقلت لك والريح راحت تمحي الما عن اثرك :
بتكون خارج هالمدى المحدود داخل في سماك
وحدك تسولف للثريا عن دفا رحلة سفرك
وكيف الصباحات الندية تشرق بطلة بهاك
وحدك تخيط من النجوم حكايتك واول ثمرك
يوم السما صارت بكفك والمدى هذا مداك
وحدك تعطر بوح هذا الليل من نفحة زهرك
وتعزف لعشاق السهر نزفك وديمومة غناك
من غير هذا الحزن شد من آخر اعماقك وترك
من غير همك يشعل من حكايتك جمرة غضاك
وقل للغريب من النوايا لو تمادى واختصرك
ما يعتق حدود الضيا المسجون في ظله سواك
وافتح لعشاق السهر والليل بوابة قمرك
لامر حادي الليل في ثوب التجلي واصطفاك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *